للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبِي هُرَيْرَةَ مَا إِذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا حَاجَةٍ مِنْ حَقِّ صُحْبَةٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ ابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ الْمَشْرُوعِ، فَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي خُرُوجَهُمْ عَنْهُ كَأَنْ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ إِلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ: سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمُ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ: إِذَا سَلَّمْتَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقُلِ:: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَيَحْسَبُونَ أَنَّكَ سَلَّمْتَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَفْتَ السَّلَامَ عَنْهُمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ، مَعْنَاهُ لَا تَتَنَحَّوْا لَهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الضَّيِّقِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَاحْتِرَامًا، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُنَاسِبَةً لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي الْمَعْنَى، وَلَيْسَ الْمَعْنَى إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى حَرْفِهِ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَذًى لَهُمْ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ أَذَاهُمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ.

٢١ - بَاب مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنْ اقْتَرَفَ ذَنْبًا وَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ الْعَاصِي؟ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لَا تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ

٦٢٥٥ - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ كَلَامِنَا، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِيُّ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا، وَمَنْ لَمْ يَرُدَّ سَلَامَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ، وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ الْعَاصِي؟) أَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فَأَشَارَ إِلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْفَاسِقِ وَلَا الْمُبْتَدِعِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى السَّلَامِ بِأَنْ خَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دَيْنٍ أَوْ دُنْيَا إِنْ لَمْ يُسَلِّمْ سَلَّمَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَزَادَ: وَيَنْوِي أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ.

وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: تَرْكُ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَجُوزُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الدَّلِيلَ أَعَمُّ مِنَ الدَّعْوَى.

وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَهْلِ الْمَعَاصِي مَنْ يَتَعَاطَى خَوَارِمَ الْمُرُوءَةِ، كَكَثْرَةِ الْمِزَاحِ وَاللَّهْوِ وَفُحْشِ الْقَوْلِ وَالْجُلُوسِ فِي الْأَسْوَاقِ لِرُؤْيَةِ مَنْ يَمُرُّ مِنَ النِّسَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُسَلَّمُ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ لَهُمْ وَالتَّبَرِّي مِنْهُمْ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي فَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا فَقِيلَ: يُسْتَبْرَأُ حَالُهُ سَنَةً، وَقِيلَ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: خَمْسِينَ يَوْمًا كَمَا فِي قِصَّةِ كَعْبٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ بَلِ الْمَدَارُ عَلَى وُجُودِ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ مُدَّعَاهُ فِي تَوْبَتِهِ، وَلَكِنْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي سَاعَةٍ وَلَا يَوْمٍ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي. وَقَدِ اعْتَرَضَ الدَّاوُدِيُّ عَلَى مَنْ حَدَّهُ بِخَمْسِينَ لَيْلَةً أَخْذًا مِنْ قِصَّةِ كَعْبٍ فَقَالَ: لَمْ يَحِدَّهُ النَّبِيُّ بِخَمْسِينَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ كَلَامَهُمْ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ؛ يَعْنِي فَتَكُونُ وَاقِعَةَ