(بَابٌ) مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَرِيبًا) كَذَا وَقَعَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَلِغَيْرِهِ ثَلَاثَةٌ بِالتَّأْنِيثِ، وَالذِّرَاعِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ.
قَوْلُهُ: (يَتَوَخَّى) الْمُعْجَمَةَ، أَيْ: يَقْصِدُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيِ: ابْنَ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ أَنَّ صَلَّى بِلَفْظِ الْمَاضِي، وَمُرَادُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ مُوَافَقَةُ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ، بَلْ مُوَافَقَةُ ذَلِكَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِغَيْرِهِ.
٩٨ - بَاب الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ
٥٠٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتْ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ - أَوْ قَالَ: مُؤَخَّرِهِ - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ﵁ يَفْعَلُهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِأَنْ يُوضَعَ الرَّحْلُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الرَّاحِلَةُ الْمَرْكُوبُ النَّجِيبُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْبَعِيرُ يُقَالُ لِمَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالشَّجَرُ وَالرَّحْلُ) الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الرَّاحِلَةُ وَالرَّحْلُ، فَكَأَنَّهُ أَلْحَقَ الْبَعِيرَ بِالرَّاحِلَةِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ. انْتَهَى.
فَإِنْ كَانَ هَذَا حَدِيثًا آخَرَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَصَرًا مِنَ الْأَوَّلِ - كأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يُصَلِّي إِلَى مُؤَخِّرَةِ رَحْلِ بَعِيرِهِ - اتَّجَهَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ. وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى بَعِيرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ رَحْلٌ، وَسَأَذْكُرُهُ بَعْدُ، وَأُلْحِقَ الشَّجَرُ بِالرَّحْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا فِينَا إِنْسَانٌ إِلَّا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فإنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ يَدْعُو حَتَّى أصبح، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَوْلُهُ: (يُعَرِّضُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، أَيْ: يَجْعَلُهَا عَرْضًا.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَلَامُ نَافِعٍ وَالْمَسْئُولُ ابْنُ عُمَرَ، لَكِنْ بَيَّنَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَلَامُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالْمَسْئُولُ نَافِعٌ، فَعَلَى هَذَا هُوَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ يَأْخُذُ هُوَ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يُدْرِكْهُ نَافِعٌ.
قَوْلُهُ: (هَبَّتِ الرِّكَابُ) أَيْ: هَاجَتِ الْإِبِلُ، يُقَالُ: هَبَّ الْفَحْلُ إِذَا هَاجَ، وَهَبَّ الْبَعِيرُ فِي السَّيْرِ إِذَا نَشِطَ. وَالرِّكَابُ الْإِبِلُ الَّتِي يُسَارُ عَلَيْهَا وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا هَاجَتْ شَوَّشَتْ عَلَى الْمُصَلِّي لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، فَيَعْدِلُ عَنْهَا إِلَى الرَّحْلِ فَيَجْعَلُهُ سُتْرَةً.
وَقَوْلُهُ: (فَيَعْدِلُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهُ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الدَّالِ، أَيْ: يُقِيمهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ.
وَقَوْلُهُ: (إِلَى أَخَرَتِهِ) بِفَتَحَاتٍ بِلَا مَدٍّ وَيَجُوزُ الْمَدُّ، (وَمُؤْخِرَتِهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَأَمَّا الْخَاءُ فَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَسْرِهَا وَجَوَّزَ الْفَتْحَ، وَأَنْكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْفَتْحَ، وَعَكَسَ ذَلِكَ ابْنُ مَكِّيٍّ فَقَالَ: لَا يُقَالُ مُقْدِمٌ وَمُؤْخِرٌ بِالْكَسْرِ إِلَّا فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَيُقَالُ بِالْفَتْحِ فَقَطْ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ. وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ الرَّحْلِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ الرَّاكِبُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسَتُّرِ بِمَا يَسْتَقِرُّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْمَعَ طِنَ مَوَاضِعُ إِقَامَتِهَا عِنْدَ الْمَاءِ، وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ عِنْدَهَا إِمَّا لِشَدَّةِ نَتَنِهَا، وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَلَّوْنَ بَيْنَهَا مُسْتَتِرِينَ بِهَا.