رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنَ الرَّفْعِ، إِلَّا أَنَّهُ حُكِيَ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ دَاوُدَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ مِنْ أَصْحَابِنَا اهـ.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِجْمَاعَ مَنْ قَبْلَ الْمَذْكُورِينَ، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ عَنْهُمَا أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَبِالِاعْتِذَارِ الْأَوَّلِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ مَنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ: إِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ، نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ مِنْهُمْ، وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ. وَأَسْلَمُ الْعِبَارَاتِ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ.
وَقَوْلُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا الْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا، نَقَلَهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيِّ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْإِيجَابُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهِ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحُمَيْدِيِّ. قُلْتُ: وَنَقَلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يَأْثَمُ تَارِكُهُ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنِ الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ، وَنَقَلَ الْقَفَّالُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَيَّارٍ أَنَّهُ أَوْجَبَهُ، وَإِذَا لَمْ يَرْفَعْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ؛ فَقَدْ نُقِلَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ، وَنَقَلَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ أَحْمَدِ بْنِ سَيَّارٍ الَّذِي مَضَى، وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ خُزَيْمَةَ: إِنَّهُ رُكْنٌ، وَاحْتَجَّ ابْنُ حَزْمٍ بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَسَيَأْتِي مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نِهَايَةِ الرَّفْعِ بَعْدُ بِبَابٍ.
٨٤ - بَاب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ
٧٣٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.
٧٣٧ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ هَكَذَا "
قَوْلُهُ: (بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ) قَدْ صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا مُنْفَرِدًا، وَحَكَى فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ، وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أَحَدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ تَرْكُ الرَّفْعِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ رُوِيَ عَنْهُ فِعْلُهُ إِلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute