النَّبِيِّ ﷺ مَجَازِيَّةٌ، أَيْ: كَتَبَ الْكَاتِبَ بِأَمْرِهِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا) يُعْرَفُ مِنْ هَذَا فَائِدَةُ إِيرَادِهِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْمُكَاتَبَةِ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مَخْتُومًا لِيَحْصُلَ الْأَمْنُ مِنْ تَوَهُّمِ تَغْيِيرِهِ، لَكِنْ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ خَتْمِهِ إِذَا كَانَ الْحَامِلُ عَدْلًا مُؤْتَمَنًا.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ) الْقَائِلُ هُوَ شُعْبَةُ، وَسَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْجِهَادِ وَفِي اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(فَائِدَةٌ): لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ الْإِجَازَةَ الْمُجَرَّدَةَ عَنِ الْمُنَاوَلَةِ أَوِ الْمُكَاتَبَةِ، وَلَا الْوِجَادَةَ وَلَا الْوَصِيَّةَ وَلَا الْإِعْلَامَ الْمُجَرَّدَاتِ عَنِ الْإِجَازَةِ، وَكَأَنَّهُ لَا يَرَى بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَقَدِ ادَّعَى ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُ الْبُخَارِيُّ فِيهِ: قَالَ لِي فَهِيَ إِجَازَةٌ، وَهِيَ دَعْوَى مَرْدُودَةٌ بِدَلِيلِ أَنِّي اسْتَقْرَيْتُ كَثِيرًا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا الْجَامِعُ قَالَ لِي فَوَجَدْتُهُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ يَقُولُ فِيهَا حَدَّثَنَا، وَالْبُخَارِيُّ لَا يَسْتَجِيزُ فِي الْإِجَازَةِ إِطْلَاقَ التَّحْدِيثِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَسْمُوعِ، لَكِنْ سَبَبَ اسْتِعْمَالِهِ لِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يَبْلُغُ شَرْطَهُ وَمَا لَا يَبْلُغُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٨ - بَاب مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا
٦٦ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قال: حدثنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَذَهَبَ وَاحِدٌ قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ.
[الحديث ٦٦ - طرفه في: ٤٧٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ) مُنَاسَبَةُ هَذَا لِكِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْلِسِ وَبِالْحَلْقَةِ حَلْقَةُ الْعِلْمِ وَمَجْلِسُ الْعِلْمِ. فَيَدْخُلُ فِي أَدَبِ الطَّالِبِ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ. وَالتَّرَاجِمُ الْمَاضِيَةُ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ الْعَالِمِ.
قَوْلُهُ: (مَوْلَى عَقِيلٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَقِيلَ لِأَبِي مُرَّةَ ذَلِكَ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ) صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ فَقَالَ: عَنْ أَبِي مُرَّةَ أَنَّ أَبَا وَاقِدٍ حَدَّثَهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ اسْمَ أَبِي وَاقِدٍ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَقِيلَ ابْنُ عَوْفٍ، وَقِيلَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ مَدَنِيُّونَ، وهو فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ إِلَّا أَبُو مُرَّةَ. وَلَا عَنْهُ إِلَّا إِسْحَاقُ، وَأَبُو مُرَّةَ الرَّاوِي عَنْهُ تَابِعِيَّانِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَالْحَاكِمُ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) النَّفَرُ بِالتَّحْرِيكِ لِلرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ، وَالْمَعْنَى ثَلَاثَةٌ هُمْ نَفَرٌ، وَالنَّفَرُ اسْمُ جَمْعٍ وَلِهَذَا وَقَعَ مُمَيَّزًا لِلْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾
قَوْلُهُ: (فَأَقْبَلَ اثْنَانِ) بَعْدَ قَوْلِهِ: أَقْبَلَ ثَلَاثَةٌ هُمَا إِقْبَالَانِ، كَأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا أَوَّلًا مِنَ الطَّرِيقِ فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ مَارِّينَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمُرُّونَ، فَلَمَّا رَأَوْا مَجْلِسَ النَّبِيِّ ﷺ أَقْبَلَ إِلَيْهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَاسْتَمَرَّ الثَّالِثُ ذَاهِبًا.
قَوْلُهُ: (فَوَقَفَا) زَادَ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: فَلَمَّا وَقَفَا