أَسْمَاءَ فَاقْتَصَرَ عَلَى إِخْرَاجِهَا دُونَ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، وَأَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنَ الِاخْتِلَافِ. وَيُقَوِّي صَنِيعَ الْبُخَارِيِّ مَا تَقَدَّمَ فِي: بَابِ الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: سَأَلْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِي آخِرِهِ: وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا: وَالْقَائِلُ أَخْبَرَتْنِي عُرْوَةُ الْمَذْكُورُ، وَأُمُّهُ هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْهَا.
وَفِيهِ إِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ ذِكْرُهَا لِعَائِشَةَ فِيمَنْ طَافَ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ حَائِضًا، وَكُنْتُ أَوَّلْتُهُ هُنَاكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ تِلْكَ الْعُمْرَةَ كَانَتْ فِي وَقْتٍ آخَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ، لَكِنَّ سِيَاقَ رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ تَأْبَاهُ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ الْعُمْرَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْقَوْلُ فِيمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الزُّبَيْرِ كَالْقَوْلِ فِي حَقِّ عَائِشَةَ سَوَاءٌ، وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ: لَيْسَ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَدَا عَائِشَةَ، لِأَنَّ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ فِيهَا أَنَّهَا حَاضَتْ فَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا تَحَلَّلَتْ مِنْ عُمْرَتِهَا. قَالَ: وَقِيلَ لَعَلَّ عَائِشَةَ أَشَارَتْ إِلَى عُمْرَتِهَا الَّتِي فَعَلَتْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ حَكَى التَّأْوِيلَ السَّابِقَ وَأَنَّهَا أَرَادَتْ عُمْرَةً أُخْرَى فِي غَيْرِ الَّتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَخَطَّأَهُ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالزُّبَيْرِ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ) كَأَنَّهَا سَمَّتْ بَعْضَ مَنْ عَرَفَتْهُ مِمَّنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ كَانُوا كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ) أَيْ طُفْنَا بِالْبَيْتِ فَاسْتَلَمْنَا الرُّكْنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي: بَابِ الطَّوَافِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ مَسَحْنَا الرُّكْنَ وَسَاغَ هَذَا الْمَجَازُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ يَمْسَحُ الرُّكْنَ فَصَارَ يُطْلَقُ عَلَى الطَّوَافِ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبَى رَبِيعَةَ:
وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ … وَمَسَّحَ بِالْأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحٌ
أَيْ طَافَ مَنْ هُوَ طَائِفٌ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى مَسَحُوا طَافُوا وَسَعَوْا، وَحَذَفَ السَّعْيَ اخْتِصَارًا لَمَّا كَانَ مَنُوطًا بِالطَّوَافِ، قَالَ: وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ لَمْ يُوجِبِ السَّعْيَ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ أَخْبَرَتْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ أَنَّهُمْ طَافُوا مَعَهُ وَسَعَوْا فَيُحْمَلُ مَا أُجْمِلَ عَلَى مَا بُيِّنَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لِقَوْلِهَا إِنَّهُمْ أَحَلُّوا بَعْدَ الطَّوَافِ، وَلَمْ يُذْكَرِ الْحَلْقُ. وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ نُسُكٌ بِأَنَّهَا سَكَتَتْ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَرْكُ فِعْلِهِ، فَإِنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالتَّقْصِيرِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الْمُصَدَّرُ بِذِكْرِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُقَصِّرَ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَسَعَى فَقَالَ الْأَكْثَرُ: عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ وَعَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا وَقَضَاؤُهَا. وَاسْتَدَلَّ بِهِ الطَّبَرِيُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّقْصِيرَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَرَمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَ عَلَيْهِ دَمٌ.
١٢ - بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْغَزْوِ؟
١٧٩٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ، تَائِبُونَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute