وَغَزْوِ أَهْلِ الشَّامِ لَهُ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَعْظَمِهَا وَقْعَةُ الْقَرَامِطَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَطَافِ مَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَقَلَعُوا الْحَجَر الْأَسْوَدَ، فَحَوَّلُوهُ إِلَى بِلَادِهِمْ ثُمَّ أَعَادُوهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، ثُمَّ غُزِيَ مِرَارًا بَعْدَ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا﴾ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ ﷺ: وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ، فَوَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ فِيهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٠ - بَاب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
١٥٩٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ
[الحديث ١٥٩٧ - طرفاه في: ١٦٠٥، ١٦١٠]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عُمَرَ فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ، وَقَوْلُهُ: لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِيهِ عَلَى شَرْطِهِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا: إِنَّ الْحَجَرَ وَالْمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهَمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَضَاءَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَجَاءٌ أَبُو يَحْيَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقْفُهُ أَشْبَهُ، وَالَّذِي رَفَعَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّة وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَهُوَ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ، وَجَرِيرٌ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ، لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ فَيَقْوَى بِهَا، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَحَمَّادٌ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، أَنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ ابْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ، وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ، وَهُوَ الثَّوْرِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ) فِي رِوَايَةِ أَسْلَمَ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ.
قَوْلُهُ: (لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ) أَيْ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخَذَ الْمَوَاثِيقَ عَلَى وَلَدِ آدَمَ كَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ، وَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلْقٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ عُمَرَ رَفَعَ قَوْلَهُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ. ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute