للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ غَفَلَ عَنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُعَدَّةِ لِدَفْعِ الْعَوَارِضِ، فَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الِاكْتِوَاءَ وَلَا الِاسْتِرْقَاءَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَلْجَأٌ فِيمَا يَعْتَرِيهِمُ إِلَّا الدُّعَاءَ وَالِاعْتِصَامَ بِاللَّهِ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ، فَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ طِبِّ الْأَطِبَّاءِ وَرُقَى الرُّقَاةِ، وَلَا يُحْسِنُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. رَابِعُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِتَرْكِ الرُّقَى وَالْكَيِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ فِي دَفْعِ الدَّاءِ وَالرِّضَا بِقَدَرِهِ، لَا الْقَدْحُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ وُقُوعِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَعَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ لَكِنْ مَقَامُ الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ أَعْلَى مِنْ تَعَاطِي الْأَسْبَابِ، وَإِلَى هَذَا نَحَا الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هَذَا مِنْ صِفَةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنِ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَعَلَائِقِهَا، وَهَؤُلَاءِ هُمْ خَوَاصُّ الْأَوْلِيَاءِ.

وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا وُقُوعُ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ فِعْلًا وَأَمْرًا، لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِ الْعِرْفَانِ وَدَرَجَاتِ التَّوَكُّلِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لِلتَّشْرِيعِ وَبَيَانِ الْجَوَازِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ تَوَكُّلِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ كَامِلَ التَّوَكُّلِ يَقِينًا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ تَعَاطِي الْأَسْبَابِ شَيْئًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ كَثِيرَ التَّوَكُّلِ، لَكِنْ مَنْ تَرَكَ الْأَسْبَابَ وَفَوَّضَ وَأَخْلَصَ فِي ذَلِكَ كَانَ أَرْفَعَ مَقَامًا. قَالَ الطَّبَرِيُّ: قِيلَ لَا يَسْتَحِقُّ التَّوَكُّلَ إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِطْ قَلْبَهُ خَوْفٌ مِنْ شَيْءٍ البَتَّةَ حَتَّى السَّبُعِ الضَّارِي وَالْعَدُوِّ الْعَادِي، وَلَا مَنْ لَمْ يَسْعَ فِي طَلَبِ رِزْقٍ وَلَا فِي مُدَاوَاةِ أَلَمٍ، وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ وَثِقَ بِاللَّهِ وَأَيْقَنَ أَنَّ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ مَاضٍ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَوَكُّلِهِ تَعَاطِيهِ الْأَسْبَابَ اتِّبَاعًا لِسُنَّتِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ ظَاهَرَ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَلَبِسَ عَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرَ، وَأَقْعَدَ الرُّمَاةَ عَلَى فَمِ الشِّعْبِ، وَخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَأَذِنَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ وَإِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَاجَرَ هُوَ، وَتَعَاطَى أَسْبَابَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَادَّخَرَ لِأَهْلِهِ قُوتَهُمْ وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ، وَهُوَ كَانَ أَحَقَّ الْخَلْقِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ الَّذِي سَأَلَهُ: أَعْقِلُ نَاقَتِي أَوِ أَدَعُهَا؟ قَالَ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الِاحْتِرَازَ لَا يَدْفَعُ التَّوَكُّلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٤٣ - بَاب الطِّيَرَةِ

٥٧٥٣ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَالشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ.

٥٧٥٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ".

[الحديث ٥٧٥٤ - طرفه في: ٥٧٥٥]

قَوْلُهُ (بَابُ الطِّيَرَةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ، هِيَ التَّشَاؤُمُ بِالشِّينِ، وَهُوَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ مِثْلُ تَحَيَّرَ حِيرَةً. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَمْ يَجِئْ مِنَ الْمَصَادِرِ هَكَذَا غَيْرُ هَاتَيْنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ سَمِعَ طِيَبَةً، وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمُ التِّوَلَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَصْلُ التَّطَيُّرِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى الطَّيْرِ، فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ لِأَمْرٍ فَإِنْ رَأَى الطَّيْرَ طَارَ يَمْنَةً تَيَمَّنَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ، وَإِنْ رَآهُ طَارَ يَسْرَةً تَشَاءَمَ بِهِ وَرَجَعَ، وَرُبَّمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يُهَيِّجُ الطَّيْرَ لِيَطِيرَ فَيَعْتَمِدُهَا، فَجَاءَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ السَّانِحَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَالْبَارِحُ بِمُوَحَّدَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، فَالسَّانِحِ