عِيَاضٌ: إِنَّمَا كَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِجَمْعِهَا مَعَانِيَ الدُّعَاءِ كُلِّهِ، مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ: وَالْحَسَنَةُ عِنْدَهُمْ هَاهُنَا النِّعْمَةُ، فَسَأَلَ نَعِيمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْوِقَايَةَ مِنَ الْعَذَابِ، نَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِذَلِكَ وَدَوَامِهِ. قُلْتُ: قَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنَةِ، فَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هِيَ الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَعَنْهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: الرِّزْقُ الطَّيِّبُ وَالْعِلْمُ النَّافِعُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنَةِ فِي الْآخِرَةِ بِالْجَنَّةِ نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنِ السُّدِّيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: يَعْمَلُونَ فِي دُنْيَاهُمْ لِدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ. وَعَنْ قَتَادَةَ: هِيَ الْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ مِنَ الْحَسَنَاتِ. وَنَحْوُهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا الرِّزْقُ الطَّيِّبُ وَالْعِلْمُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا الْمُنَى، وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْمَالُ. وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَمُقَاتِلٍ: حَسَنَةُ الدُّنْيَا الرِّزْقُ الْحَلَالُ الْوَاسِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَحَسَنَةُ الْآخِرَةِ الْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ. وَعَنْ عَطِيَّةَ: حَسَنَةُ الدُّنْيَا الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَحَسَنَةُ الْآخِرَةِ تَيْسِيرُ الْحِسَابِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ. وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَوْفٍ قَالَ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ وَالْأَهْلَ وَالْمَالَ وَالْوَلَدَ فَقَدْ آتَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً. وَنَقَلَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ سَلَفِ الصُّوفِيَّةِ أَقْوَالًا أُخْرَى مُتَغَايِرَةَ اللَّفْظِ مُتَوَافِقَةَ الْمَعْنَى، حَاصِلُهَا السَّلَامَةُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. وَاقْتَصَرَ الْكَشَّافُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهَا فِي الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْحَوْرَاءُ، وَعَذَابُ النَّارِ الْمَرْأَةُ السُّوءُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا تَشْمَلُ كُلَّ مَطْلُوبٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ عَافِيَةٍ وَدَارٍ رَحْبَةٍ وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ وَوَلَدٍ بَارٍّ وَرِزْقٍ وَاسِعٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ وَمَرْكَبٍ هَنِيءٍ وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَمِلَتْهُ عِبَارَاتُهُمْ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ فَأَعْلَاهَا دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْأَمْنِ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ فِي الْعَرَصَاتِ وَتَيْسِيرِ الْحِسَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْوِقَايَةُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ فَهُوَ يَقْتَضِي تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيَا مِنِ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ وَتَرْكِ الشُّبُهَاتِ. قُلْتُ: أَوِ الْعَفْوِ مَحْضًا، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَتَوَابِعُهُ مَا يَلْتَحِقُ بِهِ فِي الذِّكْرِ، لَا مَا يَتْبَعُهُ حَقِيقَةً.
٥٦ - بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا
٦٣٩٠ - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ، هو ابْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ ﵁ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعَلِّمُنَا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا تُعَلَّمُ الْكِتَابَةُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ.
قَوْلُهُ (بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ ضِمْنَ تَرْجَمَةٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ اثْنَيْ عَشَرَ بَابًا، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ أَيْضًا.
٥٧ - بَاب تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ
٦٣٩١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute