الْأَنْدَلُسِيُّ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ لُغَاتٍ فِي هَذَا فَبَلَغَتْ عِشْرِينَ، وَإِذَا حُصِرَ مَا ذُكِرَ هُنَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصْلُهُ يَمِينُ اللَّهِ وَيُجْمَعُ أَيْمُنًا فَيُقَالُ: وَأَيْمُنُ اللَّهِ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَنْشَدَ لِزُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
فَتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا وَمِنْكُمْ … بِمَقْسَمَةٍ تَمُورُ بِهَا الدِّمَاءُ
وَقَالُوا عِنْدَ الْقَسَمِ: وَأَيْمُنُ اللَّهِ، ثُمَّ كَثُرَ فَحَذَفُوا النُّونَ كَمَا حَذَفُوهَا مِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَالُوا لَمْ يَكُ، ثُمَّ حَذَفُوا الْيَاءَ فَقَالُوا: أَمِ اللَّهِ ثُمَّ حَذَفُوا الْأَلْفَ فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْمِيمِ مَفْتُوحَةً وَمَضْمُومَةً وَمَكْسُورَةً، وَقَالُوا أَيْضًا: مُنُ اللَّهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، وَأَجَازُوا فِي أَيْمُنِ فَتْحَ الْمِيمِ وَضَمَّهَا وَكَذَا فِي أَيْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ الْأَلِفَ وَجَعْلَ الْهَمْزَةَ زَائِدَةً أَوْ مُسَهَّلَةً، وَعَلَى هَذَا تَبْلُغُ لُغَاتُهَا عِشْرِينَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالُوا: أَيْمُ اللَّهِ وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ فَقَالُوا: أَمِ اللَّهِ، وَرُبَّمَا أَبْقَوُا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً فَقَالُوا: مُ اللَّهِ وَرُبَّمَا كَسَرُوهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ حَرْفًا وَاحِدًا فَشَبَّهُوهَا بِالْبَاءِ قَالُوا: وَأَلِفُهَا أَلِفُ وَصْلٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ، وَلَمْ يَجِئْ أَلِفُ وَصْلٍ مَفْتُوحَةً غَيْرُهَا، وَقَدْ تَدْخُلُ اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ فَيُقَالُ: لَيْمُنُ اللَّهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ لَمَّا نَشَدْتُهُمْ … نَعَمْ وَفَرِيقٌ لَيْمُنُ اللَّهِ مَا نَدْرِي
وَذَهَبَ ابْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ إِلَى أَنَّ أَلِفَهَا أَلِفُ قَطْعٍ، وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ: ايْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ أُبْدِلَ السِّينُ يَاءً، وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ السِّينَ لَا تُبْدَلُ يَاءً، وَذَهَبَ الْمُبَرِّدُ إِلَى أَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَايْمُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ يَمِينَ اللَّهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا … وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالي
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ يَمِينٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ نَوَى الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينًا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا إِنْ نَوَى، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الِانْعِقَادُ، وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي مَعْنَاهُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَقَوْلِهِ: تَاللَّهِ، وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ لَعَمْرُ اللَّهِ شَاعَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ عُرْفًا بِخِلَافِ أَيْمُ اللَّهِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِالِانْعِقَادِ مُطْلَقًا بِأَنَّ مَعْنَاهُ يَمِينُ اللَّهِ وَيَمِينُ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَصِفَاتُهُ قَدِيمَةٌ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ قَوْلَ وَايْمُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: وَحَقِّ اللَّهِ وَقَالَ: إِنَّهُ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدِ اسْتَغْرَبُوهُ. وَوَقَعَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ مَا يُقَوِّيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ﵉ وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالِانْعِقَادِ مُطْلَقًا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِلَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ وَحَقِّ اللَّهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي آخِرِ الْمَغَازِي وَفِي الْمَنَاقِبِ، وَضُبِطَ قَوْلُهُ فِيهِ وَأَيْمُ اللَّهِ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٣ - بَاب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ ﷺ؟
وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا. يُقَالُ: وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ