مَنِ اعْتَادَ تَرْكَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَيْدَنًا، وَفِي الْجُمْلَةِ لَا دَلَالَةَ عَلَى وُجُوبِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ بِتَكَرُّرِ ذِكْرِهِ ﷺ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَاحْتَجَّ الطَّبَرِيُّ؛ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا مَعَ وُرُودِ صِيغَةِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ مِنْ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فَرْضًا حَتَّى يَكُونَ تَارِكُهُ عَاصِيًا، قَالَ: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدَبِ، وَيَحْصُلُ الِامْتِثَالُ لِمَنْ قَالَهُ، وَلَوْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ مُعَارَضٌ بِدَعْوَى غَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، إِمَّا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ النَّدْبِ، وَلَا يُعْرَفُ عَنِ السَّلَفِ لِذَلِكَ مُخَالِفٌ، إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يُجْزِئُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْ فِي أَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى إِجْزَاءَ السَّلَامِ عَنِ الصَّلَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْخُطَبِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَمِمَّ يَتَأَكَّدُ وَوَرَدَتْ فِيهِ أَخْبَارٌ خَاصَّةٌ أَكْثَرُهَا بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ عَقِبَ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَأَوَّلَ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ، وَفِي أَوَّلِهِ آكَدُ، وَفِي آخِرِ الْقُنُوتِ، وَفِي أَثْنَاءِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ، وَعِنْدَ السَّفَرِ وَالْقُدُومِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ، وَعِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الْهَمِّ وَالْكَرْبِ، وَعِنْدَ التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ، وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ، وَتَبْلِيغِ الْعِلْمِ، وَالذِّكْرِ، وَعِنْدَ نِسْيَانِ الشَّيْءِ، وَوَرَدَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ، وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ، وَعِنْدَ طَنِينِ الْأُذُنِ، وَعِنْدَ التَّلْبِيَةِ، وَعَقِبَ الْوُضُوءِ، وَعِنْدَ الذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ، وَوَرَدَ الْمَنْعُ مِنْهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَوَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
٣٣ - بَاب هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ؟ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
٦٣٥٩ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ إِذَا أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى.
٦٣٦٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ؟) أَيِ: اسْتِقْلَالًا، أَوْ تَبَعًا، وَيَدْخُلُ فِي الْغَيْرِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَوَرَدَ فِيهَا أَحَادِيثُ أَحَدُهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي الدُّعَاءِ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ، فَفِيهِ: وَصَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ: لَا تَتْرُكَنَّ فِي التَّشَهُّدِ الصَّلَاةَ عَلَيَّ وَعَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْحَدِيثُ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَصَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ الْعِيسَوِيِّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ ﷺ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ قَالَ: مَا أَعْلَمُ الصَّلَاةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute