للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ عَامًّا بِلَفْظِهِ، لِأَنَّهُ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ. وَلَا بِمَعْنَاهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: يُبْعَثُ مُلَبِّيًا لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ، فَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.

وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، لِأَنَّ إِخْبَارَهُ بِأَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا شَهَادَةٌ بِأَنَّ حَجَّهُ قُبِلَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لِغَيْرِهِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةِ إِنَّمَا ثَبَتَتْ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ، فَتَعُمُّ كُلَّ مُحْرِمٍ، وَأَمَّا الْقَبُولُ وَعَدَمُهُ فَأَمْرٌ مُغَيَّبٌ. وَاعْتَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾ وَبِقَوْلِهِ : إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْقَطِعَ عَمَلُهُ بِالْمَوْتِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَكْفِينَهُ فِي ثَوْبَيْ إِحْرَامِهِ، وَتَبْقِيَتِهِ عَلَى هَيْئَةِ إِحْرَامِهِ مِنْ عَمَلِ الْحَيِّ بَعْدَهُ، كَغُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرُوهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: وَقَدْ قَالَ فِي الشُّهَدَاءِ: زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ مَعَ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ. فَعَمَّمَ الْحُكْمَ فِي الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ السَّبَبِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَمَّمَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ، وَبَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَالْمُحْرِمِ جَامِعٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَدِ اعْتَذَرَ الدَّاوُدِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِحْرَامُهُ بَاقِيًا لَوَجَبَ أَنْ يُكْمِلَ بِهِ الْمَنَاسِكَ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَضَحَ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ اسْتِبْقَاءُ شِعَارِ الْإِحْرَامِ كَاسْتِبْقَاءِ دَمِ الشَّهِيدِ.

٢١ - باب كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ؟

١٢٦٧ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ : اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.

١٢٦٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، وَأَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ بِعَرَفَةَ، فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَوَقَصَتْهُ - وَقَالَ عَمْرٌو: فَأَقْصَعَتْهُ - فَمَاتَ فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: يُلَبِّي، وَقَالَ عَمْرٌو: مُلَبِّيًا.

قَوْلُهُ: (بَابُ كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ) سَقَطَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْأَصِيلِيِّ وَثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَوْجَهُ. وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقَيْنِ، فَفِي الْأَوَّلِ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَلِلْبَاقِينَ مُلَبَّدًا بِدَالٍ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ، وَالتَّلْبِيدُ جَمْعُ الشَّعْرِ بِصَمْغٍ، أَوْ غَيْرِهِ لِيُخْفِ شَعَثَهَ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْإِحْرَامِ أَنْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ. وَقَدْ أَنْكَرَ عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ: لَيْسَ لِلتَّلْبِيدِ مَعْنًى، وَسَيَأْتِي فِي الْحَجِّ بِلَفْظِ: يُهِلُّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ: فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا. لَكِنْ لَيْسَ قَوْلُهُ مُلَبَّدًا فَاسِدَ الْمَعْنَى، بَلْ تَوْجِيهُهُ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (كَانَ رَجُلٌ وَاقِفًا) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ: وَاقِفٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرَجُلٍ، وَكَانَ تَامَّةٌ؛ أَيْ حَصَلَ رَجُلٌ وَاقِفٌ.

قَوْلُهُ: (فَأَقْصَعَتْهُ)؛ أَيْ هَشَّمَتْهُ، يُقَالُ: أَقْصَعَ الْقَمْلَةَ إِذَا هَشَّمَهَا. وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِكَسْرِ الْعَظْمِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُسْتَعَارَ لِكَسْرِ الرَّقَبَةِ. وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الصَّادِ، وَالْقَعْصُ الْقَتْلُ فِي الْحَالِ، وَمِنْهُ قُعَاصُ الْغَنَمِ، وَهُوَ مَوْتُهَا. قَالَ الزَّيْنُ بْنُ