عَبَّاسٍ: عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في إِهْلَالِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْجَبَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا، فَسَمِعَ مِنْهُ قَوْمٌ فَحَفِظُوهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَسَمِعُوهُ حِينَ ذَاكَ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوهُ، فَنَقَلَ كُلُّ أَحَدٍ مَا سَمِعَ، وَإِنَّمَا كَانَ إِهْلَالُهُ فِي مُصَلَّاهُ وَأيْمُ اللَّهِ، ثُمَّ أَهَلَّ ثَانِيًا وَثَالِثًا. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ دُونَ الْقِصَّةِ، فَعَلَى هَذَا فَكَانَ إِنْكَارُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَنْ يَخُصُّ الْإِهْلَالَ بِالْقِيَامِ عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ.
(فَائِدَةٌ): الْبَيْدَاءُ هَذِهِ فَوْقَ عِلْمِي ذِي الْحُلَيْفَةِ لِمَنْ صَعَدَ مِنَ الْوَادِي، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَغَيْرُهُ.
٢١ - بَاب مَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ
١٥٤٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ: مَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ) الْمُرَادُ بِالْمُحْرِمِ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ قَرَنَ، وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يَسْتَشْكِلُ مَعْرِفَةَ حَقِيقَةِ الْإِحْرَامِ؛ يَعْنِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ النِّيَّةُ، لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الْحَجِّ الَّذِي الْإِحْرَامُ رُكْنُهُ، وَشَرْطُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، وَيُعْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ التَّلْبِيَةُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا، وَكَأَنَّهُ يَحُومُ عَلَى تَعْيِينِ فِعْلٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ النِّيَّةُ فِي الِابْتِدَاءِ، انْتَهَى. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَجْمُوعُ الصِّفَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ تَجَرُّدٍ وَتَلْبِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ التَّلْبِيَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْغَرَضِ.
قَوْلُهُ: (أنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ. وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ: مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا. وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ حَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْهُمَا. نَعَمْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ؛ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَخْطُبُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ. وَأَشَارَ نَافِعٌ إِلَى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ أَنَّهُ ﷺ خَطَبَ بِذَلِكَ فِي عَرَفَاتٍ، فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ أَجَابَ بِهِ السَّائِلُ، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ ابْتَدَأَ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ. . . إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا الْجَوَابُ مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَجَزْلِهِ، لِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مُنْحَصِرٌ، فَحَصَلَ التَّصْرِيحُ بِهِ، وَأَمَّا الْمَلْبُوسُ الْجَائِزُ فَغَيْرُ مُنْحَصِرٍ، فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute