لِأَنَّ الضَّحِكَ مِنَ الْكِرَامِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَإِنَّهُمْ يُوصَفُونَ بِالْبِشْرِ عِنْدَ السُّؤَالِ.
قُلْتُ: الرِّضَا مِنَ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الرَّحْمَةَ وَهُوَ لَازِمُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ سَائِرُ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ.
٦٠ - سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً﴾ لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ. فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ هَذَا. بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ: أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ. كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ) سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِجَمِيعِهِمْ، وَالْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ فَتْحُ الْحَاءِ، وَقَدْ تُكْسَرُ وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ الَّتِي نَزَلَتِ السُّورَةُ بِسَبَبِهَا، وَالْمَشْهُورُ فِيهَا أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَقِيلَ: سَعِيدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَقِيلَ: أُمَيْمَةُ بِنْتُ بِشْرٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. وَمَنْ كَسَرَ جَعَلَهَا صِفَةً لِلسُّورَةِ كَمَا قِيلَ لِبَرَاءَةٌ: الْفَاضِحَةُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ .. إِلَخْ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ بِلَفْظِهِ وَزَادَ وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ: مَا أَصَابَهُمْ مِثْلُ هَذَا. وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ شَبَابَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ كَذَلِكَ، فَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِثْلَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، فَزَادَ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَمَا أَظُنُّ زِيَادَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ إِلَّا وَهْمًا لِاتِّفَاقِ أَصْحَابِ وَرْقَاءَ عَلَى عَدَمِ ذِكْرِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ﴿لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا وَهَذَا بِخِلَافِ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا قُلْتُهُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قَالَ: لَا تُظْهِرْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا، يَرَوْنَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا ظَهَرُوا عَلَيْنَا بِحَقِّهِمْ، وَهَذَا يُشْبِهُ تَأْوِيلَ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ: (بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ: أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ) وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا، وَلَفْظُهُ أُمِرَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ بِطَلَاقِ نِسَائِهِمْ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ قَعَدْنَ مَعَ الْكُفَّارِ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَلْحَقُ بِالْمُشْرِكِينَ فَتَكْفُرُ فَلَا يُمْسِكُ زَوْجُهَا بِعِصْمَتِهَا قَدْ بَرِئَ مِنْهَا. انْتَهَى. وَالْكَوَافِرُ: جَمْعُ كَافِرَةٍ، وَالْعِصَمُ: جَمْعُ عِصْمَةٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ الْفَارِسِيِّ: قَالَ لِي الْكَرْخِيُّ: الْكَوَافِرُ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: النُّحَاةُ لَا يُجِيزُونَ هَذَا إِلَّا فِي الْنِّسَاءِ جَمْعُ كَافِرَةٍ، قَالَ: أَلَيْسَ يُقَالُ طَائِفَةٌ كَافِرَةٌ انْتَهَى. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَافِرَةٌ وَصْفًا لِلرِّجَالِ إِلَّا مَعَ ذِكْرِ الْمَوْصُوفِ، فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١ - بَاب ﴿لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾
٤٨٩٠ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا ﵁ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute