مُنْذِرَةً وَهِيَ صَادِقَةٌ يُرِيهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ رِفْقًا بِهِ لِيَسْتَعِدَّ لِمَا يَقَعُ قَبْلَ وُقُوعِهِ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِي وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْإِلْهَامُ فَإِنَّ فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيَكُونُ، وَهُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَحْيِ كَالرُّؤْيَا، وَيَقَعُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ: قَدْ كَانَ فِيمَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَفُسِّرَ الْمُحَدَّثُ بِفَتْحِ الدَّالِ بِالْمُلْهَمِ بِالْفَتْحِ أَيْضًا، وَقَدْ أَخْبَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ أُمُورٍ مُغَيَّبَةٍ فَكَانَتْ كَمَا أَخْبَرُوا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَصْرَ فِي الْمَنَامِ لِكَوْنِهِ يَشْمَلُ آحَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْإِلْهَامِ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَعْضِ، وَمَعَ كَوْنِهِ مُخْتَصًّا فَإِنَّهُ نَادِرٌ، فَإِنَّمَا ذُكِرَ الْمَنَامُ لِشُمُولِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ: فَإِنْ يَكُنْ وَكَانَ السِّرُّ فِي نَدُورِ الْإِلْهَامِ فِي زَمَنِهِ وَكَثْرَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ غَلَبَةَ الْوَحْيِ إِلَيْهِ ﷺ فِي الْيَقَظَةِ وَإِرَادَةَ إِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ مِنْهُ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَقَعَ لِغَيْرِهِ مِنْهُ فِي زَمَانِهِ شَيْءٌ، فَلَمَّا انْقَطَعَ الْوَحْيُ بِمَوْتِهِ وَقَعَ الْإِلْهَامُ لِمَنِ اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ لِلْأَمْنِ مِنَ اللَّبْسِ فِي ذَلِكَ، وَفِي إِنْكَارِ وُقُوعِ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهِ وَاشْتِهَارِهِ مُكَابَرَةٌ مِمَّنْ أَنْكَرَهُ.
٦ - بَاب رُؤْيَا يُوسُفَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ فَاطِرٌ وَالْبَدِيعُ وَالْمُبْدِعُ وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ وَاحِدٌ. ﴿مِنَ الْبَدْوِ﴾ بَادِيَةٍ.
قَوْلُهُ: (بَابُ رُؤْيَا يُوسُفَ) كَذَا لَهُمْ، وَوَقَعَ لِلنَّسَفِيِّ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَقَوْلُهُ ﷿: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ﴾ - فَسَاقَ إِلَى - ﴿سَاجِدِينَ﴾ ثُمَّ قَالَ: إِلَى قَوْلِهِ ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَاتِ كُلَّهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ - إِلَى قَوْلِهِ -: ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ أَيْضًا. وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ﴾ أَيِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ رُؤْيَةُ الْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ سَاجِدِينَ لَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ إِلَى مِصْرَ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَرْتَبَةِ الْمُلْكِ وَسَجَدُوا لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي شَرِيعَتِهِمْ فَكَانَ التَّأْوِيلُ فِي السَّاجِدِينَ وَكَوْنِهَا حَقًّا فِي السُّجُودِ، وَقِيلَ التَّأْوِيلُ وَقَعَ أَيْضًا فِي السُّجُودِ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُمُ السُّجُودُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخُضُوعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ قَالَ: كَانَتْ تَحِيَّةَ مَنْ قَبْلَكُمْ، فَأَعْطَى اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ السَّلَامَ تَحِيَّةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفِي لَفْظٍ: وَكَانَتْ تَحِيَّةُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَسْجُدَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ نَحْوُ ذَلِكَ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: أَرَادُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَيْنَهُمْ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ بَلِ الْإِكْرَامِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute