احْتِيجَ إِلَى تَأَلُّفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ثم ذكر حديثين تقدما: أحدهما: حَدِيثُ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَوْضِعِ شَرْحِهِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنَ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَالنُّكْتَةُ فِي إِيرَادِهِ هُنَا التَّلْمِيحُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بِلَفْظِ الْمُدَارَاةِ. وَهُوَ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ أُدَارِيهِ عَنْ نِفَاقِهِ، وَأَخْشَى أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ غَيْرَهُ.
والثاني: حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَقْبِيَةٌ وَفِيهِ قِصَّةُ أَبِيهِ مَخْرَمَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ ; وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شَيْءٌ وَقَدْ رَمَزَ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِهِ عَقِبَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ بِأَنَّهُ الْمُبْهَمَ فِيهِ كَمَا أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ قَبْلُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرَّ رَجُلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ كَأَنَّ لَهُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. وَشَرَحَ ابْنُ بَطَّالٍ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ كَانَ مُنَافِقًا، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ مَأْمُورًا بِالْحُكْمِ بِمَا ظَهَرَ، لَا بِمَا يَعْلَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الْمُبْهَمِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: إِنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا، لَا مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَلَا عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ فِي مَخْرَمَةَ مَا قِيلَ لِمَا كَانَ فِي خُلُقِهِ مِنَ الشِّدَّةِ، فَكَانَ لِذَلِكَ فِي لِسَانِهِ بَذَاءَةٌ، وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَكَانَ إِسْلَامُهُ ضَعِيفًا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَهْوَجَ، فَكَانَ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَلَمَّا جَاءَ قَالَ خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَدْ خَبَّأْتُ وَقَوْلُهُ: قَالَ أَيُّوبُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: بِثَوْبِهِ وَأَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ وَالْمَعْنَى أَشَارَ أَيُّوبُ بِثَوْبِهِ لِيُرِي الْحَاضِرِينَ كَيْفِيَّةَ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ كَلَامِهِ مَعَ مَخْرَمَةَ، وَلَفْظُ الْقَوْلِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ، وَقَوْلُهُ: رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ فَرْضِ الْخُمُسِ وَصُورَتُهُ مُرْسَلٌ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ إِلَخْ) أَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيقِ بَيَانَ وَصْلِ الْخَبَرِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَحَمَّادٍ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُمَا الْإِرْسَالَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ فِي الْأَصْلِ مَوْصُولٌ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ وَصْلِ رِوَايَةِ حَاتِمٍ هَذِهِ فِي الشَّهَادَاتِ.
٨٣ - بَاب لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ
٦١٣٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ) اللَّدْغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ، وَاللَّذْعُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا يَكُونُ مِنَ النَّارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَالْجُحْرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا حَكِيمَ إِلَّا بِتَجْرِبَةٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا حِلْمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ إِلَّا بِتَجْرِبَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَّا لِذِي تَجْرِبَةٍ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَا حِلْمَ إِلَّا بِالتَّجَارِبِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ: لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ. قَالَهَا ثَلَاثًا وَأَخْرَجَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ، وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ