تَأَوَّلَهُ عَلَى كَثْرَةِ اللَّحْمِ انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ أَيْضًا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: لَمْ يَصِفْهُ أَحَدٌ بِالسِّمَنِ أَصْلًا، وَلَقَدْ مَاتَ ﷺ وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَحْسَبُ بَعْضَ الرُّوَاةِ لَمَّا رَأَى بَدَّنَ ظَنَّهُ كَثُرَ لَحْمُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ بَدَّنَ تَبْدِينَا أَيْ أَسَنَّ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. قُلْتُ: وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِي اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعْجِزَاتِ. كَمَا فِي كَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَطَوَافِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى تِسْعٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ مَعَ عَدَمِ الشِّبَعِ وَضِيقِ الْعَيْشِ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ تَكْثِيرِ الْمَنِيِّ مَعَ الْجُوعِ وَبَيْنَ وُجُودِ كَثْرَةِ اللَّحْمِ فِي الْبَدَنِ مَعَ قِلَّةِ الْأَكْلِ؟ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا، لَكِنْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ ثَقُلَ أَيْ ثَقُلَ عَلَيْهِ حَمْلُ لَحْمِهِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِدُخُولِهِ فِي السِّنِّ.
قَوْلُهُ: (صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ أَخْرَجَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ أَبْوَابِ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ، وَأَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ إِنْسَانٌ أَرْبَعِينَ آيَةً، وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي صِفَةِ تَطَوُّعِهِ ﷺ وَفِيهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي السِّنِّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَالْبَحْثُ فِيهِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَكَثِيرٌ مِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا فِي آخِرِ أَبْوَابِ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ.
٣ - بَاب ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾
٤٨٣٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾، قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا.
قَوْلُهُ: بَابُ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) أَيِ الْقَعْنَبِيُّ، كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ.
وَوَقَعَ عِنْدَ غَيْرِهِمَا عَبْدُ اللَّهِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، فَتَرَدَّدَ فِيهِ أَبُو مَسْعُودٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيِّ: عِنْدِي أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ. وَرَجَّحَ هَذَا الْمِزِّيُّ وَحَدَّهُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قُلْتُ: لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْجَزْمُ بِهِ، وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ شَيْخَانِ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ؟ وَلَيْسَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْأَدَبِ بِأَرْجَحَ مِمَّا وَقَعَ الْجَزْمُ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ وَهُمَا حَافِظَانِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ التَّكْبِيرِ إِذَا عَلَا شَرَفًا مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ - غَيْرُ مَنْسُوبٍ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute