الْبَابِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ قَرِيبًا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْلِهِ ﷺ لَهَا: أَبْلِي وَأَخْلِقِي هَلْ بِالْقَافِ أَوِ الْفَاءِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ لَا يُنَافِي مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا قَمِيصٌ أَصْفَرُ، لِأَنَّ الْقَمِيصَ كَانَ عَلَيْهَا لَمَّا جِيءَ بِهَا، وَالْخَمِيصَةُ هِيَ الَّتِي كُسِيَتْهَا. وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ قَالَ إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: حَدَّثَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِي لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا، وَقَوْلُهُ إِنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ أَيِ الثَّوْبَ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَقِيَ زَمَانًا طَوِيلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا فِي بَابِ الْخَمِيصَةِ.
٣٣ - بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ
٥٨٤٦ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ) أَيْ فِي الْجَسَدِ، لِأَنَّهُ تَرْجَمَ بَعْدَهُ بَابَ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ وَقَيَّدَهُ بِالرَّجُلِ لِيُخْرِجَ الْمَرْأَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ) هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ) كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ مُقَيَّدًا، وَوَافَقَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مُطْلَقًا فَقَالَ: نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ وَكَأَنَّهُ اخْتَصَرَهُ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ فَوْقَ الْعَشَرَةِ مِنَ الْحُفَّاظِ مُقَيَّدًا بِالرَّجُلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِسْمَاعِيلُ اخْتَصَرَهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ شُعْبَةَ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ. وَاخْتُلِفَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّزَعْفُرِ هَلْ هُوَ لِرَائِحَتِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ طِيبِ النِّسَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ الزَّجْرُ عَنِ الْخَلُوقِ؟ أَوْ لِلَوْنِهِ فَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ صُفْرَةٍ؟ وَقَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَنْهَى الرَّجُلَ الْحَلَالَ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَزَعْفَرَ، وَآمُرُهُ إِذَا تَزَعْفَرَ أَنْ يَغْسِلَهُ. قَالَ: وَأُرَخِّصُ فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنَّنِي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْهُ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ أَنْهَاكُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَسَاقَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر وقَالَ: رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهُمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ فَقُلْتُ أَغْسِلُهُمَا؟ قَالَ لَا بَلِ أحْرِقْهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَلَوْ بَلَغَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ كَعَادَتِهِ.
وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْحَلِيمِيُّ، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ هُوَ الْأَوْلَى اهـ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَتْقَنَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَسْأَلَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِي الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ فِي الْبُيُوتِ وَكَرِهَهُ فِي الْمَحَافِلِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصُّفْرَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِينَ تَزَوَّجَ وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَلُوقَ كَانَ فِي ثَوْبِهِ عَلِقَ بِهِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي جَسَدِهِ، وَالْكَرَاهَةُ لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي بَدَنِهِ أَشَدُّ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِمَنْ تَزَعْفَرَ فِي ثَوْبِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ سَلْمٍ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَنَسٍ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَعَلَيْهِ أَثَرُ - صُفْرَةٍ، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَقَلَّمَا كَانَ يُوَاجِهُ أَحَدًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ وَسَلْمٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فِيهِ لِينٌ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ رَفَعَهُ لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ جِنَازَةَ كَافِرٍ وَلَا مُضَمَّخٍ بِالزَّعْفَرَانِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي لَيْلًا وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَدَايَ، فَخَلَقُونِي بِزَعْفَرَانٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يُرَحِّبْ بِي وَقَالَ اذْهَبْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute