عَنْهُمَا قَالَ: حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَحْرُمُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَغْشَى امْرَأَتَهَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الَّتِي زَنَى بِهَا. وَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ بِلَفْظِ: إِذَا فَجَرَ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ أَوِ ابْنَةِ امْرَأَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، لِلشَّعْبِيِّ: وَاللَّهِ مَا حَرَّمَ حَرَامٌ قَطُّ حَلَالًا قَطُّ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: بَلَى لَوْ صَبَبْتَ خَمْرًا عَلَى مَاءٍ حَرُمَ شُرْبُ ذَلِكَ الْمَاءِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَلَعَلَّهُ عَنَى بِهِ الثَّوْرِيَّ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ نَظَرَ إِلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَبِنْتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى أُمِّ امْرَأَتِهِ قَالَ: حَرُمَتَا عَلَيْهِ كِلْتَاهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، قَالُوا إِذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا، وَبِهِ قَالَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الشَّرْعِ إِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَطْءِ، وَأَيْضًا فَالزِّنَا لَا صَدَاقَ فِيهِ وَلَا عِدَّةَ وَلَا مِيرَاثَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتْوَى مِنَ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي تَزَوُّجُ مَنْ زَنَى بِهَا، فَنِكَاحُ أُمِّهَا وَابْنَتِهَا أَجْوَزُ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْزَقَ بِالْأَرْضِ، يَعْنِي حَتَّى يُجَامِعَ) قَالَ ابْنُ التِّينِ يَلْزَقُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَبِالْفَتْحِ لَازِمٌ وَبِالضَّمِّ مُتَعَدٍّ، يُقَالُ: لَزِقَ بِهِ لُزُوقًا وَأَلْزَقَهُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِمُجَرَّدِ لَمْسِ أُمِّهَا وَالنَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إِلَّا إِنْ وَقَعَ الْجِمَاعُ، فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ آرَاءٍ: فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: لَا تَحْرُمُ إِلَّا بِالْجِمَاعِ مَعَ الْعَقْدِ، وَالْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ: تَلْتَحِقُ الْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ بِالْجِمَاعِ لِكَوْنِهِ اسْتِمْتَاعًا وَمَحِلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمُبَاشَرَةُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ أَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالزِّنَا، وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إِذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ حَلَالًا أَوْ زِنًا أَثَّرَ بِخِلَافِ مُقَدِّمَاتِهِ.
قَوْلُهُ (وَجَوَّزَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ، وَالزُّهْرِيُّ) أَيْ أَجَازُوا لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ امْرَأَتِهِ وَلَوْ زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ أُخْتِهَا سَوَاءٌ فَعَلَ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ أَوْ جَامَعَ وَلِذَلِكَ أَجَازُوا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ أَوْ أُمَّ مَنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَا: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ أَيَتَزَوَّجُ ابْنَتَهَا؟ فَقَالَ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يُفْسِدُ اللَّهُ حَلَالًا بِحَرَامٍ. قَوْلُهُ (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عَلِيٌّ: لَا يُحَرِّمُ وَهَذَا مُرْسَلٌ) أَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ، فَأَطْلَقَ الْمُرْسَلَ عَلَى الْمُنْقَطِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
٢٥ - بَاب ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ. وَمَنْ قَالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا هن مِنْ بَنَاتِهِا فِي التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِأُمِّ حَبِيبَةَ: لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ. وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ هُنَّ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ. وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute