للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي يُصَدَّرُ بِرُبَّ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مَاضِي الْمَعْنَى، بَلْ يَجُوزُ مُضِيُّهُ وَحُضُورُهُ وَاسْتِقْبَالُهُ، وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي الْحَدِيثِ الْحُضُورُ وَالِاسْتِقْبَالُ، وَشَوَاهِدُ الْمَاضِي كَثِيرَةٌ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَأَمَّا تَصْدِيرُ رُبَّ بِحَرْفِ النِّدَاءِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَقِيلَ: الْمُنَادَى فِيهِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: يَا سَامِعِينَ.

قَوْلُهُ: (عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ) قَالَ عِيَاضٌ: الْأَكْثَرُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْوَصْفِ لِلْمَجْرُورِ بِرُبَّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَوْلَى الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ؛ أَيْ هِيَ عَارِيَةٌ، وَالْفِعْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْأَحْسَنُ الْخَفْضُ عَلَى النَّعْتِ لِأَنَّ رُبَّ حَرْفُ جَرٍّ يَلْزَمُ صَدْرَ الْكَلَامِ وَهَذَا رَأْيُ سِيبَوَيْهِ ; وَعِنْدَ الْكِسَائِيِّ هُوَ اسْمٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَرْفُوعُ خَبَرُهُ، وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ بَعْضُ شُيُوخِنَا، انْتَهَى.

وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: كَاسِيَةٍ وَعَارِيَةٍ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا كَاسِيَةٌ فِي الدُّنْيَا بِالثِّيَابِ لِوُجُودِ الْغِنَى عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ لِعَدَمِ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا، ثَانِيهَا كَاسِيَةٌ بِالثِّيَابِ لَكِنَّهَا شَفَّافَةٌ لَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهَا فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ بِالْعُرْيِ جَزَاءً عَلَى ذَلِكَ، ثَالِثُهَا كَاسِيَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَارِيَةٌ مِنَ الشُّكْرِ الَّذِي تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ، رَابِعُهَا كَاسِيَةٌ جَسَدُهَا لَكِنَّهَا تَشُدُّ خِمَارَهَا مِنْ وَرَائِهَا فَيَبْدُو صَدْرُهَا فَتَصِيرُ عَارِيَةً فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ، خَامِسُهَا كَاسِيَةٌ مِنْ خِلْعَةِ التَّزَوُّجِ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَمَلِ فَلَا يَنْفَعُهَا صَلَاحُ زَوْجِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾ ذَكَرَ هَذَا الْأَخِيرَ الطِّيبِيُّ وَرَجَّحَهُ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ، وَاللَّفْظَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَقَدْ سَبَقَ لِنَحْوِهِ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: كَاسِيَةٌ لِلشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهَا أَهْلَ التَّشْرِيفِ وَعَارِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ عَارِيَةً فِي النَّارِ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْفُتُوحَ فِي الْخَزَائِنِ تَنْشَأُ عَنْهُ فِتْنَةُ الْمَالِ بِأَنْ يُتَنَافَسَ فِيهِ فَيَقَعَ الْقِتَالُ بِسَبَبِهِ وَأَنْ يُبْخَلَ بِهِ فَيُمْنَعَ الْحَقُّ أَوْ يُبْطَرَ صَاحِبُهُ فَيُسْرِفَ، فَأَرَادَ تَحْذِيرَ أَزْوَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَا غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُوقِظُ بَعْضَ خَدَمِهِ؛ كَمَا قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَأَرَادَ أَصْحَابَهُ، لَكِنْ هُنَاكَ عُرِفَ الَّذِي انْتَدَبَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ، وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ لِرَجَاءِ وَقْتِ الْإِجَابَةِ لِتُكْشَفَ أَوْ يَسْلَمَ الدَّاعِي وَمَنْ دَعَا لَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

٧ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ : مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا

٧٠٧٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا.

٧٠٧١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا.

٧٠٧٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ "سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ"

٧٠٧٣ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قُلْتُ لِعَمْرٍو يَا أَبَا مُحَمَّدٍ "سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ