للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ وَفِي فَضْلِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدَانَ، وَالْمَوْجُودُ فِي الصَّحِيحِ بِالْعَكْسِ، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَحَمْزَةُ الرَّاوِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ هُوَ وَلَدُهُ. وَوَقَعَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَكَانَ يَنْبَغِي - عَلَى طَرِيقَتِهِ - أَنْ يُخَرِّجَهُ عَنْ غَيْرِهِ لَوْ وَجَدَهُ.

قُلْتُ: بَلْ وَجَدَهُ وَأَخْرَجَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَضْلِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ أَخِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِمَا، وَإِشَارَتُهُ إِلَى أَنَّ طَرِيقَةَ الْبُخَارِيِّ أَنْ يُخَرِّجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ فَصَاعِدًا - إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ - فِي مَقَامِ الْمَنْعِ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظَافِيرِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ أَظَافِيرِي، وَفِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ مِنْ أَطْرَافِي وَهَذِهِ الرُّؤْيَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةً وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عِلْمِيَّةً، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَشَرِبْتُ حَتَّى رَأَيْتُهُ يَجْرِي فِي عُرُوقِي بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي يَعْنِي عُمَرَ) كَذَا فِي الْأَصْلِ كَأَنَّ بَعْضَ رُوَاتِهِ شَكَّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ بِالْجَزْمِ وَلَفْظُهُ: فَأَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتُهَا عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ) فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثُمَّ نَاوَلَ فَضْلَهُ عُمَرَ، قَالَ مَا أَوَّلْتَهُ؟ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّائِلَ عُمَرُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ أَوِّلُوهَا، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا عِلْمٌ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ فَمَلَأَكَ مِنْهُ، فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَأَعْطَيْتَهَا عُمَرَ، قَالَ: أَصَبْتُمْ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّ هَذَا وَقَعَ أَوَّلًا ثُمَّ احْتَمَلَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي تَأْوِيلِهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا أَوَّلْتَهُ إِلَخْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَبَعْضُهُ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اللَّبَنُ رِزْقٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ طَيِّبًا بَيْنَ أَخْبَاثٍ مِنْ دَمٍ وَفَرْثٍ كَالْعِلْمِ نُورٌ يُظْهِرُهُ اللَّهُ فِي ظُلْمَةِ الْجَهْلِ، فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْمَنَامِ.

قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: الَّذِي خَلَّصَ اللَّبَنَ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْمَعْرِفَةَ مِنْ بَيْنِ شَكٍّ وَجَهْلٍ وَيَحْفَظَ الْعَمَلَ عَنْ غَفْلَةٍ وَزَلَلٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: لَكِنِ اطَّرَدَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّعَلُّمِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ قَدْ يَقَعُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ.

وقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: تَأَوَّلَ النَّبِيُّ اللَّبَنَ بِالْعِلْمِ اعْتِبَارًا بِمَا بُيِّنَ لَهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ حِينَ أُتِيَ بِقَدَحِ خَمْرٍ وَقَدَحِ لَبَنٍ فَأَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ قَصِّ الْكَبِيرِ رُؤْيَاهُ عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَإِلْقَاءُ الْعَالِمِ الْمَسَائِلَ وَاخْتِبَارُ أَصْحَابِهِ فِي تَأْوِيلِهَا، وَأَنَّ مِنَ الْأَدَبِ أَنْ يَرُدَّ الطَّالِبُ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى مُعَلِّمِهِ.

قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يُعَبِّرُوهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ تَعْبِيرِهَا، فَفَهِمُوا مُرَادَهُ فَسَأَلُوهُ فَأَفَادَهُمْ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْلَكَ هَذَا الْأَدَبُ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ عِلْمَ النَّبِيِّ بِاللَّهِ لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ دَرَجَتَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ شَرِبَ حَتَّى رَأَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِهِ، وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ فَضْلَهُ عُمَرَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا حَصَلَ لِعُمَرَ مِنَ الْعِلْمِ بِاللَّهِ بِحَيْثُ كَانَ لَا يَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.

قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، قَالَ: وَهَذِهِ أُوِّلَتْ عَلَى الْمَاضِي، فَإِنَّ رُؤْيَاهُ هَذِهِ تَمْثِيلٌ بِأَمْرٍ قَدْ وَقَعَ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُعْطِيَهُ مِنَ الْعِلْمِ كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُ وَكَذَلِكَ أُعْطِيَهُ عُمَرُ، فَكَانَتْ فَائِدَةُ هَذِهِ الرُّؤْيَا تَعْرِيفَ قَدْرِ النِّسْبَةِ بَيْنَ مَا أُعْطِيَهُ مِنَ الْعِلْمِ وَمَا أُعْطِيَهُ عُمَرُ.

١٦ - بَاب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِي أَطْرَافِهِ أَوْ أَظَافِيرِهِ

٧٠٠٧ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي