جَوَازِ اللَّعِبِ بَعْدَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ أَنَّهُ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ، فَقَالَ: نَعَمْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ. وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَخُولِفَ فِيهِ، فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِعْلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ. وَرَوَيْنَا فِي الْمَحَامِلِيَّاتِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ.
وَأَمَّا مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ عَائِشَةَ لِلتَّرْجَمَةِ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَهَذَا عِيدُنَا لِإِشْعَارِهِ بِالنَّدْبِ إِلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اللَّعِبَ لَا يُوصَفُ بِالنَّدْبِيَّةِ، لَكِنْ يُقَرِّبُهُ أَنَّ الْمُبَاحَ قَدْ يَرْتَفِعُ بِالنِّيَّةِ إِلَى دَرَجَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعِبَادَةِ عَلَى اللَّعِبِ سُنَّةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَوْ تُحْمَلُ السُّنَّةُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي بِتَمَامِهِ بَعْدَ بَابٍ، وَحَجَّاجٌ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ. وَاسْتَشْكَلَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مُنَاسَبَتَهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا الْعِيدَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِعِيدِ النَّحْرِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ إِشْعَارًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ ذَلِكَ الْيَوْمَ هِيَ الْأَمْرُ الْمُهِمُّ، وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنَ الْخُطْبَةِ وَالنَّحْرِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ يَوْمَ النَّحْرِ فَبِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ، فَحَسَنٌ أَنْ لَا تُفْرَدَ التَّرْجَمَةُ بِعِيدِ النَّحْرِ. انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ مُسْتَوْفًى فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.
٤ - بَاب الْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ
٩٥٣ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ) أَيْ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) هُوَ بِالتَّصْغِيرِ، وَفِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسٍ بِحَذْفِ أَبِي بَكْرٍ، هَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَتَابَعَهُ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَجُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ عَنْ هُشَيْمٍ، قُتَيْبَةُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَعَمْرُو بْنُ عَوْنٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالُوا كُلُّهُمْ: عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَأَعَلَّهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ هُشَيْمًا مُدَلِّسٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ.
قُلْتُ: وَهِيَ عِلَّةٌ غَيْرُ قَادِحَةٍ؛ لِأَنَّ هُشَيْمًا قَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ فَأُمِنَ تَدْلِيسُهُ، وَلِهَذَا نَزَّلَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ دَرَجَةً؛ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ سُلَيْمَانَ مِنْ شُيُوخِهِ، وَقَدْ أُخْرِجَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ وَلَمْ يَلْقَ مِنْ أَصْحَابِ هُشَيْمٍ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ لَقِيَهُ مِنْهُمْ مَنْ يُحَدِّثُ بِهِ مُصَرِّحًا عَنْهُ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ، وَقَدْ جَزَمَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَأَنَّ أَصْحَابَ هُشَيْمٍ الْقُدَمَاءَ كَانُوا يَرْوُونَهُ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلَا تَضُرُّ طَرِيقُ ابْنِ إِسْحَاقَ الْمَذْكُورَةُ، قَالَ الْبَي هَقِيُّ: وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ هُشَيْمٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْهُ عَنْ هُشَيْمٍ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَرَجَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute