للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَكُونَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقْصِدُوا بِقَوْلِهِمْ عَنْ حَمْزَةَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا الْإِخْبَارَ عَنْ حِكَايَتِهِ، فَالتَّقْدِيرُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ قِصَّةِ حَمْزَةَ أَنَّهُ سَأَلَ، لَكِنْ قَدْ صَحَّ مَجِيءُ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ حَمْزَةَ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي مُرَاوِحَ، عَنْ حَمْزَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، لَكِنَّهُ أَسْقَطَ أَبَا مَرَاوِحَ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لِعُرْوَةَ فِيهِ طَرِيقِينَ: سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ، وَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي مُرَاوِحَ، عَنْ حَمْزَةَ.

قَوْلُهُ: (أَسْرُدُ الصَّوْمَ) أَيْ: أُتَابِعُهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهِيَةَ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَصْدُقُ بِدُونِ صَوْمِ الدَّهْرِ، فَإِنْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَمْ يُعَارِضْهُ هَذَا الْإِذْنُ بِالسَّرْدِ، بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ.

قَوْلُهُ: (أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ. . . إِلَخْ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَوْمُ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ.

قُلْتُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُرَاوِحَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ صِيَامِ الْفَرِيضَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا تُطْلَقُ فِي مُقَابَلَةِ مَا هُوَ وَاجِبٌ. وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأُكْرِيهِ، وَأَنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرُ - يَعْنِي: رَمَضَانَ - وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ، وَأَجِدُنِي أَنْ أَصُومَ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤخِّرَهُ فَيَكُونَ دَيْنًا عَلَيَّ، فَقَالَ: أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ.

٣٤ - بَاب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ

١٩٤٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ.

[الحديث ١٩٤٤ - أطرافه في: ١٩٤٨، ١٩٥٣، ٤٢٧٥، ٤٢٧٦، ٤٢٧٧، ٤٢٧٨، ٤٢٧٩]

قَوْلُهُ: (بَابٌ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ) أَيْ: هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ أَوْ لَا؟ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَإِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَقَالَ بِهِ عُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو مِجْلَزٍ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وَحْدَهُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ وَهَمٌ، قَالُوا: إِنَّ مَنِ اسْتُهِلَّ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ قَالَ: وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنِ اسْتَهَلَّ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ سَاقَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ الْآيَةَ. ثُمَّ احْتَجَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ) كَانَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا بَلَغَ الْكَدِيدَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ وَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، يَعْنِي: بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى التَّصْغِيرِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ نِسْبَةُ هَذَا التَّفْسِيرِ لِلْبُخَارِيِّ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مَوْصُولًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ