للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَعْظَمُ حَقًّا عَلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ عِيَالِهِ، إِذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ إِحْيَاءُ غَيْرِهِ بِإِتْلَافِ نَفْسِهِ، ثُمَّ الْإِنْفَاقُ عَلَى عِيَالِهِ كَذَلِكَ.

٢ - بَاب وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ

٥٣٥٥ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الِابْنُ: أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ: لَا، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

٥٣٥٦ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ فِي التَّرْجَمَةِ الزَّوْجَةُ، وَعَطْفُ الْعِيَالِ عَلَيْهَا مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَقَارِبُ، وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ الزَّوْجَةُ وَالْخَدَمُ، فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ ذُكِرَتْ مَرَّتَيْنِ تَأْكِيدًا لِحَقِّهَا، وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ أَوَّلَ النَّفَقَاتِ. وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَنِ التَّكَسُّبِ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْوُجُوبِ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا بِالْكِفَايَةِ، وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ - كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ - إِلَى أَنَّهَا بِالْأَمْدَادِ، وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ كَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ: هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ.

وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا لَوْ قُدِّرَتْ بِالْحَاجَةِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ وَالْغَنِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، فَوَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِمَا يُشْبِهُ الدَّوَامَ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ، وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ فَاعْتَبِرُوا الْكَفَّارَةَ بِهَا وَالْأَمْدَادُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَيَخْدِشُ فِي هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ، وَبِأَنَّهَا لَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا، وَالرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْكِفَايَةُ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْإِجْمَاعَ الْفِعْلِيَّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ.

قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ، وَبَيَانُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْيَدُ الْعُلْيَا وَقَوْلُهُ: وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أَيْ: بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْكَ نَفَقَتُهُ، يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ إِذَا مَانَهُمْ، أَيْ: قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ. وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ مَنْ بَلَغَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ، فَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ النَّفَقَةَ لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ، إِنَاثًا وَذُكْرَانًا، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ