ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أَثْنَاءَ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَأَفْرَدَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عِبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ.
قَوْلُهُ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ مِثْلُهَا حُسْنَى وَزِيَادَةُ مَغْفِرَةٍ وَرِضْوَانٍ، هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ) ثَبَتَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الْوَقْتِ خَاصَّةً، وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ هُنَا فِيمَا أَظُنُّ قَتَادَةُ، فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهُ قَالَ: الْحُسْنَى هِيَ الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ. الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ فِيمَا بَلَغَنَا النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ. وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا أَيْضًا. وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ. وَلَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، ﴿الْحُسْنَى﴾ الْجَنَّةُ، ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نُودُوا إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَعْدًا فَيَقُولُونَ أَلَمْ يُبَيِّضُ وُجُوهَنَا وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ قَالَ فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ ثُمَّ قَرَأَ ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغَيِّرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى. قُلْتُ: وَكَذَا قَالَ مَعْمَرٌ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمِنْ طَرِيقِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْف، وَمِنْ تَحْدِيثِ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا مِثْلَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِثْلِهِ وَصَلَهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَإِسْرَائِيلُ عَنْهُ، وَوَقَفَهُ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَشَرِيكٌ عَلَى عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ. وَجَاءَ فِي تَفْسِيرِ الزِّيَادَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ: مِنْهَا قَوْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْحَسَنِ إِنَّ الزِّيَادَةَ التَّضْعِيفُ، وَمِنْهَا قَوْلُ عَلِيٍّ: إِنَّ الزِّيَادَةَ غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ. أَخْرَجَ جَمِيعُ ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ رِوَايَةَ حُذَيْفَةَ وَرِوَايَةَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا، وَأَشَارَ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: ﴿الْكِبْرِيَاءُ﴾ الْمُلْكُ) هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ قَوْلُهُ ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ﴾ لِأَنَّ النَّبِيَّ إِذَا صَدَقَ صَارَتْ مَقَالِيدُ أُمَّتِهِ وَمُلْكِهِمْ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَاتَّبَعَهُمْ وَأَتْبَعَهُمْ وَاحِدٌ) يَعْنِي بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ وَالتَّشْدِيدِ، وَبِالثَّانِي قَرَأَ الْحَسَنُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَأَتْبَعَهُمْ مِثْلُ تَبِعَهُمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ كَرَدَفْتُهُ وَأَرْدَفْتُهُ بِمَعْنًى، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ: الْمَهْمُوزُ بِمَعْنَى أَدْرَكَ، وَغَيْرُ الْمَهْمُوزِ بِمَعْنَى مَضَى وَرَاءَهُ أَدْرَكَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكُهُ، وَقِيلَ اتَّبَعَهُ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْأَمْرِ اقْتَدَى بِهِ وَأَتْبَعَهُ بِالْهَمْزِ تَلَاهُ.
قَوْلُهُ: (عَدْوًا مِنَ الْعُدْوَانِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا، وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ نَعْتَانِ مَنْصُوبَانِ عَلَى أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ أَوْ عَلَى الْحَالِ أَيْ بَاغِينَ مُتَعَدِّينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَفْعُولَيْنِ أَيْ لِأَجْلِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَضَمِّ أَوَّلِهِ.
٢ - بَاب ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute