كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ حُبُوبِ الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ كَذَا ثَبَتَ هَذَا لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ تَرْجَمَةٌ خَالِيَةٌ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَدِيثًا مُسْنَدًا، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخَرِّجَ فِيهَا طَرِيقًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي فِي التَّوْحِيدِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَمِّ مَنْ زَعَمَ ذَلِكَ فَبَيَّضَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ خَيْرٌ) أَمَّا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَوَصَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَخْبَرْتُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ ﷺ شَفِيعٌ لَهُمْ وَهَذَا وَصَلَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ﴾ قَالَ: خَيْرٌ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ قَالَ: صَلَاتَهُمْ وَصَوْمَهُمْ وَصَدَقَتَهُمْ وَتَسْبِيحَهُمْ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ أَيْ ثَوَابَ صِدْقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ﴾ قَالَ: سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ مُجَاهِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ الْعَرَبِ: لِفُلَانِ قَدَمَ صِدْقٍ فِي كَذَا أَيْ قَدَمٌ فِيهِ خَيْرٌ، أَوْ قَدَمَ سُوءٍ فِي كَذَا أَيْ قَدَمٌ فِيهِ شَرٌّ. وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدَمِ السَّابِقَةِ. وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ قَالَ: سَلَفُ صِدْقٍ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
(تَنْبِيهٌ):
ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ. قُلْتُ لَمْ أَرَهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِلَّا عَلَى الصَّوَابِ كَمَا قَدَّمْتُهُ، ذَكَرَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهَا وَقَعَتْ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي الْقَابِسِيَّ، وَمُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّهُ فَسَّرَ الْقَدَمَ بِالْخَيْرِ وَلَوْ كَانَ وَقَعَ بِزِيَادَةِ ابْنِ مَعَ التَّصْحِيفِ لَكَانَ عَارِيًا عَنْ ذِكْرِ الْقَوْلِ الْمَنْسُوبِ لِمُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ الْقَدَمِ.
قَوْلُهُ: (يُقَالُ تِلْكَ آيَاتٌ يَعْنِي هَذِهِ أَعْلَامَ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ الْمَعْنَى بِكُمْ) هَذَا وَقَعَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَسَيَأْتِي لِلْجَمِيعِ فِي التَّوْحِيدِ. وَقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْمُثَنَّى، وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ آيَاتُ الْكِتَابِ الْأَعْلَامُ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي كُلِّ مِنْهُمَا صَرْفُ الْخِطَابِ عَنِ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ وَعَكْسِهِ.
قَوْلُهُ: (دَعْوَاهُمْ دُعَاؤُهُمْ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَهُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ قَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا﴾ قَالَ: إِذَا أَرَادُوا الشَّيْءَ قَالُوا اللَّهُمَّ فَيَأْتِيهِمْ مَا دَعَوْا بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرْتُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَسِيَاقَهُ أَتَمُّ، وَكُلُّ هَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ مَعْنَى ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ دُعَاؤُهُمْ لِأَنَّ اللَّهُمَّ مَعْنَاهَا يَا اللَّهُ أَوْ مَعْنَى الدَّعْوَى الْعِبَادَةِ أَيْ كَلَامُهُمْ فِي الْجَنَّةِ هَذَا اللَّفْظُ بِعَيْنِهِ.
قَوْلُهُ: ﴿أُحِيطَ بِهِمْ﴾ دَنَوْا مِنَ الْهَلَكَةِ، أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ أَيْ دَنَوْا لِلْهَلَكَةِ، يُقَالُ قَدْ أُحِيطَ بِهِ أَيْ أنَّهُ لَهَالِكٌ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ بِالْقَوْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ غَالِبًا لِجَعْلِهِ كِنَايَةً عَنْهُ، وَلَهَا أَرْدَفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ إِشَارَةً إِلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ قَوْلُهُ الْإِنْسَانُ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكَ فِيهِ وَالْعَنْهُ) وَقَوْلُهُ: ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ أَيْ لَأَهْلَكَ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلَأَمَاتَهُ) هَكَذَا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ بِلَفْظٍ مُخْتَصَرٍ قَالَ: فَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُمُ الِاسْتِجَابَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا يُسْتَجَابُ فِي الْخَيْرِ لَأَهْلَكَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ قَالَ: هُوَ دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ، انْتَهَى. وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute