للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ يَحِلُّ قَتْلُ النَّفْسِ قِصَاصًا لِلنَّفْسِ الَّتِي قَتَلَهَا عُدْوَانًا فَاقْتَضَى خُرُوجَ الصَّائِلِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الدَّافِعُ قَتْلَهُ.

قُلْتُ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ﴾ قَالَ: فَأَبَاحَ الْقَتْلَ بِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ أَشْيَاءَ: مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ وَحَدِيثُ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ، وَحَدِيثُ: مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ، وَحَدِيثُ: مَنْ خَرَجَ وَأَمْرُ النَّاسِ جَمْعٌ يُرِيدُ تَفَرُّقَهُمْ فَاقْتُلُوهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ: تَغِرَّةَ أَنْ يُقْتَلَا، وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: إِنْ تَابَ أَهْلُ الْقَدَرِ وَإِلَّا قُتِلُوا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ: يُضْرَبُ الْمُبْتَدِعُ حَتَّى يَرْجِعَ أَوْ يَمُوتَ، وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثِ.

قُلْتُ: وَزَادَ غَيْرُهُ قَتْلَ مَنْ طَلَبَ أَخْذَ مَالِ إِنْسَانٍ أَوْ حَرِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَانِعَ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمَنِ ارْتَدَّ وَلَمْ يُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ، وَمَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَأَظْهَرَ الشِّقَاقَ وَالْخِلَافَ، وَالزِّنْدِيقَ إِذَا تَابَ عَلَى رَأْيٍ، وَالسَّاحِرَ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْمُحَارِبَةِ أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ قُتِلَ، وَبِأَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ فِي الْبَاغِي أَنْ يُقَاتَلَ لَا أَنْ يُقْصَدَ إِلَى قَتْلِهِ، وَبِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ فِي اللوطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لَمْ يَصِحَّا وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الزِّنَا، وَحَدِيثُ الْخَارِجِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَتْلِهِ حَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنَ الْخُرُوجِ، وَأَثَرُ عُمَرَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَالْقَوْلُ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ الْمُبْتَدِعَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ، وَبِأَنَّ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، وَأَمَّا مَنْ طَلَبَ الْمَالَ أَوِ الْحَرِيمَ فَمِنْ حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِلِ، وَمَانِعُ الزَّكَاةِ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ دَاخِلٌ فِي مُفَارِقِ الْجَمَاعَةِ، وَقَتْلُ الزِّنْدِيقِ لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ كُفْرِهِ، وَكَذَا السَّاحِرُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْقَتْلِ عَشَرَةٌ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا تَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِحَالٍ، فَإِنَّ مَنْ سَحَرَ أَوْ سَبَّ نَبِيَّ اللَّهِ كُفِّرَ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّارِكِ لِدِينِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ عَلَى تَسَاوِي النُّفُوسِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ فَيُقَادُ لِكُلِّ مَقْتُولٍ مِنْ قَاتِلِهِ سَوَاءً كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَتَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَادَّعَوْا أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ الْمَذْكُورَةَ فِي التَّرْجَمَةِ نَاسِخَةٌ لِآيَةِ الْبَقَرَةِ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ عَبْدِ الْجَانِي وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَأَقَادَ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ دُونَ عَبْدِ نَفْسِهِ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: آيَةُ الْبَقَرَةِ مُفَسِّرَةٌ لِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِنَقْصِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ قِصَاصٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْحُرُّ، وَاحْتَجَّ لِلْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ فَلَا يَجِبُ فِيهِ إِلَّا الْقِيمَةُ لَوْ قُتِلَ خَطَأً، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ بَعْدَ بَابٍ.

وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُعَاهَدِ، وَقَدْ مَضَى فِي الْبَابِ قَبْلَهُ شَرْحُ حَدِيثِ عَلِيٍّ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ وَصْفِ الشَّخْصِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوِ انْتَقَلَ عَنْهُ لِاسْتِثْنَائِهِ الْمُرْتَدَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ.

٧ - بَاب مَنْ أَقَادَ بِالْحَجَرِ

٦٨٧٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ: أَقَتَلَكِ فُلَانٌ؟