وَتَشْدِيدِ الزَّايِ قَالَ: اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مُطِيعٍ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ - إِلَى مَرْوَانَ فِي دَارٍ، فَقَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ احْتَجَّ بِأَنَّ امْتِنَاعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنَ الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ وَاجِبًا، وَالِاحْتِجَاجُ بِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَوْلَى مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِمَرْوَانَ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ، فَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ وَصِيَّ رَجُلٍ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِصَكٍّ قَدْ دَرَسَتْ أَسْمَاءُ شُهُودِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا نَافِعُ اذْهَبْ بِهِ إِلَى الْمِنْبَرِ فَاسْتَحْلِفْهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرِيدُ أَنْ تُسَمِّعَ بِي الَّذِي يَسْمَعُنِي هُنَا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ فَاسْتَحْلَفَهُ مَكَانَهُ وَقَدْ وَجَدْتُ لِمَرْوَانَ سَلَفًا فِي ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اغْتَصَبَ لَهُ بَعِيرًا، فَخَاصَمَهُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ حَيْثُ شَاءَ غَيْرَ الْمِنْبَرِ، فَأَبَى عَلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ لَا يَحْلِفَ إِلَّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَغَرِمَ لَهُ بَعِيرًا مِثْلَ بَعِيرِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ) تَقَدَّمَ مَوْصُولًا قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ) هُوَ مِنْ تُفَقِّهِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَرْجَمَ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَأَثْبَتَ التَّغْلِيظَ بِالزَّمَانِ وَنَفَى هُنَا التَّغْلِيظَ بِالْمَكَانِ، فَإِنْ صَحَّ احْتِجَاجُهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ فَلْيَحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَخُصَّ زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ، فَإِنْ قَالَ وَرَدَ التَّغْلِيظُ فِي الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ قِيلَ لَهُ: وَرَدَ التَّغْلِيظُ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي حَدِيثَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ إِلَّا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ، وَاللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
ثَانِيهِمَا: حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِلُّ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْجَمَةِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنَّهُ يُوجِبُ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ بِالْمَكَانِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَقْلِبَ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولَ: إِنْ لَزِمَ مِنْ ذِكْرِ تَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِالْمَكَانِ أَنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَى كُلِّ حَالِفٍ، فَيَجِبُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ بِالزَّمَانِ أَيْضًا لِثُبُوتِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ. ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا بِأَتَمَّ مِنْهُ مَضْمُومًا إِلَى حَدِيثِ الْأَشْعَثِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٢٤ - بَاب إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ
٢٦٧٤ - حَدَّثَني إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ) أَيْ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِأَيِّهِمْ يُبْدَأُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ) أَيْ قَبْلَ الْآخَرِ، هَذَا اللَّفْظُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَسْرَعَ الْفَرِيقَانِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ شَيْخِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: إِذَا أُكْرِهَ الِاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَاسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ ابْنِ