مَثَلًا، وَدَفَعَهَا لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الطَّعَامَ، ثُمَّ بَاعَ الطَّعَامَ لِآخَرَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا وَالطَّعَامُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ مِائَةَ دِينَارٍ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَخْتَصُّ النَّهْيُ بِالطَّعَامِ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ حُجَّةٌ عَلَى عُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ، حَيْثُ أَجَازَ بَيْعَ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهَا مَالِكٌ فَحَمَلَ الطَّعَامَ عَلَى عُمُومِهِ وَأَلْحَقَ بِالشِّرَاءِ جَمِيعَ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ حَبِيبٍ، وَسَحْنُونٌ بِالطَّعَامِ كُلَّ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فَعَدَّيَاهُ إِلَى كُلِّ مُشْتَرًى، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَثْنَى الْعَقَارَ وَمَا لَا يُنْقَلُ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قُلْتُ: وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ. وَفِي صِفَةِ الْقَبْضِ عَنِ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ: فَمَا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالثَّوْبِ فَقَبْضُهُ بِالتَّنَاوُلِ، وَمَا لَا يُنْقَلُ كَالْعَقَارِ وَالثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ فَقَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ، وَمَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ كَالْأَخْشَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْحَيَوَانِ فَقَبْضُهُ بِالنَّقْلِ إِلَى مَكَانٍ لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ، وَفِيهِ قَوْلٌ: إِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ.
قَوْلُهُ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (زَادَ إِسْمَاعِيلُ فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) يَعْنِي: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ بِلَفْظِ: حَتَّى يَقْبِضَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ: حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَافَقَ إِسْمَاعِيلَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ وَقُتَيْبَةُ، قُلْتُ: وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ زَادَ إِسْمَاعِيلُ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ زِيَادَةً فِي الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَوْفِيهِ بِالْكَيْلِ بِأَنْ يَكِيلَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَقْبِضَهُ لِلْمُشْتَرِي، بَلْ يَحْبِسُهُ عِنْدَهُ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ مِثْلًا، وَعُرِفَ بِهَذَا جَوَابُ مَنِ اعْتَرَضَهُ مِنَ الشُّرَّاحِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ زِيَادَةٌ، وَجَوَابُ مَنْ حَمَلَ الزِّيَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ زَادَ لَفْظًا آخَرَ وَهُوَ يَقْبِضُهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ بِمَعْنَى يَسْتَوْفِيهِ، وَيُعْرَفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اخْتِيَارَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ مِنَ الْبَائِعِ وَتَبْقِيَتَهُ فِي مَنْزِلِ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ قَبْضًا شَرْعِيًّا حَتَّى يَنْقُلَهُ الْمُشْتَرِي إِلَى مَكَانٍ لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا هُوَ النُّكْتَةُ فِي تَعْقِيبِ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِالتَّرْجَمَةِ الْآتِيَةِ.
٥٦ - بَاب مَنْ رَأَى إِذَا اشْتَرَى طَعَامًا جِزَافًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ حَتَّى يُؤْوِيَهُ إِلَى رَحْلِهِ، وَالْأَدَبِ فِي ذَلِكَ
٢١٣٧ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَبْتَاعُونَ جِزَافًا يَعْنِي الطَّعَامَ يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ رَأَى إِذَا اشْتَرَى طَعَامًا جُزَافًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ حَتَّى يُؤْوِيَهُ إِلَى رَحْلِهِ، وَالْأَدَبِ فِي ذَلِكَ) أَيْ: تَعْزِيرُ مَنْ يَبِيعُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْوِيَهُ إِلَى رَحْلِهِ. ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوهُ بِالْجُزَافِ، وَلَا قَيَّدُوهُ بِالْإِيوَاءِ إِلَى الرِّحَالِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا ثَبَتَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَدَخَلَ فِيهِ الْمَكِيلُ، وَوَرَدَ التَّنْصِيصُ عَلَى الْمَكِيلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِيوَاءَ إِلَى الرِّحَالِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيَبْعَثُ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ وَفَرَّقَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute