أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ مُعَاذٍ أَيْضًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُبْهَمُ بِأَحَدِهِمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ): أَوْرَدَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَنَسٍ، وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ أَنَسٍ، وَكَانَ حَقَّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي الْمُبْهَمَاتِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَوْلُهُ: (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ) أَيْ مَنْ لَقِيَ الْأَجَلَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ يَعْنِي الْمَوْتَ. كَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْبَعْثَ أَوْ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُشْرِكُ بِهِ) اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي التَّوْحِيدَ بِالِاقْتِضَاءِ، وَيَسْتَدْعِي إِثْبَاتَ الرِّسَالَةِ بِاللُّزُومِ، إِذْ مَنْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ كَذَّبَ اللَّهَ وَمَنْ كَذَّبَ اللَّهَ فَهُوَ مُشْرِكٌ، أَوْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَنْ تَوَضَّأَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، أَيْ: مَعَ سَائِرِ الشَّرَائِطِ. فَالْمُرَادُ مَنْ مَاتَ حَالَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بِجَمِيعِ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنَ الْإِشْكَالِ مَا تَقَدَّمَ فِي السِّيَاقِ الْمَاضِي ; لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّعْذِيبِ أَوْ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا) مَعْنَى التَّأَثُّمِ التَّحَرُّجُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ وَهُوَ كَالتَّحَنُّثِ، وَإِنَّمَا خَشِيَ مُعَاذٌ مِنَ الْإِثْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى كِتْمَانِ الْعِلْمِ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُخْبِرَ بِهَا إِخْبَارًا عَامًّا لِقَوْلِهِ: أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ فَأَخَذَ هُوَ أَوَّلًا بِعُمُومِ الْمَنْعِ فَلَمْ يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْإِخْبَارِ عُمُومًا، فَبَادَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَأَخْبَرَ بِهَا خَاصًّا مِنَ النَّاسِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ لَوْ كَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْأَشْخَاصِ لَمَا أَخْبَرَ هُوَ بِذَلِكَ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ مَقَامِهِ فِي الْفَهْمِ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِخْبَارِهِ. وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْجَوَابُ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِيهِ انْقِطَاعٌ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: أَدْخِلُوا عَلَيَّ النَّاسَ. فَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَمَا كُنْتُ أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَشَاهِدِي عَلَى ذَلِكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ. فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي، وَمَا كَانَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ إِلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ وَقَعَ لِأَبِي أَيُّوبَ مِثْلُ ذَلِكَ، فَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ غَزَا الرُّومَ فَمَرِضَ، فَلَمَّا حَضَرَ قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَوْلَا حَالِي هَذِهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
وَإِذَا عُورِضَ هَذَا الْجَوَابُ فَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ مُعَاذًا اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَنْعِ التَّحْرِيمَ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ يُبَشِّرَ بِذَلِكَ النَّاسَ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ فَدَفَعَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَدَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ. فَقَالَ: فَخَلِّهِمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَكَأَنَّ قَوْلَهُ ﷺ لِمُعَاذٍ: أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا كَانَ بَعْدَ قِصَّةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَانَ النَّهْيُ لِلْمَصْلَحَةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، فَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ بِالتَّبْلِيغِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (لَا) هِيَ لِلنَّهْيِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً عَلَى أَخَافُ، بَلِ الْمَعْنَى لَا تُبَشِّرْ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: أَخَافُ. وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِنِّي أَخَافُ بِإِثْبَاتِ التَّعْلِيلِ، وَلِلْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مُعْتَمِرٍ قَالَ: لَا، دَعْهُمْ فَلْيَتَنَافَسُوا فِي الْأَعْمَالِ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا.
٥٠ - بَاب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ.
١٣٠ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ