غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ. فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ - تَعْنِي وَجْهَهَا - وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟
[الحديث ١٣٠ - أطرافه في: ٦١٢١، ٦٠٩١، ٣٣٢٨، ٢٨٢]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْحَيَاءِ) أَيْ: حُكْمِ الْحَيَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَهُوَ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَقَعُ عَلَى وَجْهِ الْإِجْلَالِ وَالِاحْتِرَامِ لِلْأَكَابِرِ، وَهُوَ مَحْمُودٌ. وَأَمَّا مَا يَقَعُ سَبَبًا لِتَرْكِ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِحَيَاءٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ ضَعْفٌ وَمَهَانَةٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ: لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَهُوَ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ. وَلَا فِي كَلَامِهِ نَافِيَةٌ لَا نَاهِيَةٌ ; وَلِهَذَا كَانَتْ مِيمُ يَتَعَلَّمُ مَضْمُومَةً، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَحْرِيضَ الْمُتَعَلِّمِينَ عَلَى تَرْكِ الْعَجْزِ وَالتَّكَبُّرِ لِمَا يُؤَثِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ النَّقْصِ فِي التَّعْلِيمِ. وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ هَذَا وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ) هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ.
قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَفِي الْإِسْنَادِ مِنَ اللَّطَائِفِ رِوَايَةُ تَابِعِيٍّ عَنْ مِثْلِهِ عَنْ صَحَابِيَّةٍ عَنْ مِثْلِهَا، وَفِيهِ رِوَايَةُ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ وَالْبِنْتِ عَنْ أُمِّهَا، وَزَيْنَبُ هِيَ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ ﷺ نُسِبَتْ إِلَى أُمِّهَا تَشْرِيفًا؛ لِكَوْنِهَا زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ) هِيَ بِنْتُ مِلْحَانَ وَالِدَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أَيْ: لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ. وَقَدَّمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ هَذَا الْكَلَامَ؛ بَسْطًا لِعُذْرِهَا فِي ذِكْرِ مَا تَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ، وَلِهَذَا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ.
قَوْلُهُ: (إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ) أَيْ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّهَا تُجَامَعُ.
قَوْلُهُ: (إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ) يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَجَعْلُ رُؤْيَةِ الْمَاءِ شَرْطًا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ) فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِعَائِشَةَ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُمَا كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (تَعْنِي وَجْهَهَا) هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَالْقَائِلُ عُرْوَةُ، وَفَاعِلُ تَعْنِي زَيْنَبُ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْتَلِمُ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أَوَتَحْتَلِمُ بِإِثْبَاتِهَا، قِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ يَكُونُ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ ; لَكِنَّ الْجَوَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِنَّمَا أَنْكَرَتْ وُجُودَ الْمَنِيِّ مِنْ أَصْلِهِ وَلِهَذَا أُنْكِرَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (تَرِبَتْ يَمِينُكِ) أَيِ: افْتَقَرَتْ وَصَارَتْ عَلَى التُّرَابِ، وَهِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عِنْدَ الزَّجْرِ وَلَا يُرَادُ بِهَا ظَاهِرُهَا.
قَوْلُهُ: (فَبِمَ) بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَبَاحِثِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١٣١ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هِيَ النَّخْلَةُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا.