قَوْلُهُ: (يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِيهَا يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُرَادُ أُمُّ رَأْسِهِ، وَأُطْلِقَ عَلَى الرَّأْسِ الدِّمَاغُ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يُقَارِبُهُ وَيُجَاوِرُهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى قَدَمِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ زِيَارَةِ الْقَرِيبِ الْمُشْرِكِ وَعِيَادَتِهِ، وَأَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ وَلَوْ فِي شِدَّةِ مَرَضِ الْمَوْتِ، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْمُعَايَنَةِ فَلَا يُقْبَلُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ نَجَا مِنَ الْعَذَابِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَأَنَّ عَذَابَ الْكُفَّارِ مُتَفَاوِتٌ، وَالنَّفْعُ الَّذِي حَصَلَ لِأَبِي طَالِبٍ مِنْ خَصَائِصِهِ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَإِنَّمَا عَرَضَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّ الْكَلِمَتَيْنِ صَارَتَا كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو طَالِبٍ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا يُقِرُّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْأَبْيَاتِ النُّونِيَّةِ:
وَدَعَوْتَنِي وَعَلِمْتُ أَنَّكَ صَادِقٌ … وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ قَبْلُ أَمِينَا
فَاقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِ لَهُ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ.
(تَكْمِلَةٌ): مِنْ عَجَائِبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنْ أَعْمَامِ النَّبِيِّ ﷺ أَرْبَعَةٌ: لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمُ اثْنَانِ، وَأَسْلَمَ اثْنَانِ، وَكَانَ اسْمُ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ يُنَافِي أَسَامِيَ الْمُسْلِمَيْنِ، وَهُمَا أَبُو طَالِبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ، وَأَبُو لَهَبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ وَهُمَا حَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ.
٤١ - بَاب حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾
٣٨٨٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ.
[الحديث ٣٨٨٦ - طرفه في: ٤٧١٠]
قَوْلُهُ: (حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا﴾ سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي لَفْظِ (أَسْرَى) فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سُبْحَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: جَنَحَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَتْ غَيْرَ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَرْجَمَةً.
قُلْتُ: وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّغَايُرِ عِنْدَهُ، بَلْ كَلَامُهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ ظَاهِرٌ فِي اتِّحَادِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَرْجَمَ بَابَ كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالصَّلَاةُ إِنَّمَا فُرِضَتْ فِي الْمِعْرَاجِ، فَدَلَّ عَلَى اتِّحَادِهِمَا عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِتَرْجَمَةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَشْتَمِلُ عَلَى قِصَّةٍ مُفْرَدَةٍ وَإِنْ كَانَا وَقَعَا مَعًا، وَقَدْ رَوَى كَعْبُ الْأَحْبَارِ أَنَّ بَابَ السَّمَاءِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: مِصْعَدُ الْمَلَائِكَةِ يُقَابِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْإِسْرَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ الْعُرُوجِ لِيَحْصُلَ الْعُرُوجُ مُسْتَوِيًا مِنْ غَيْرِ تَعْوِيجٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِوُرُودِ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute