للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَظْهَرُ فِي أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ بِهَذَا السَّبَبِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَمَلَتْ عَائِشَةَ عَلَى هَذَا القيبحِ الْغَيْرَةُ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لِنَبِيِّهِ ذَلِكَ، وَأَنَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ لَوْ مُلِكْنَ لَهُ رِقَّهُنَّ لَكَانَ قَلِيلًا.

قَوْلُهُ: (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ: إِنِّي لِأَرَى رَبَّكَ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ: أَيْ فِي رِضَاكَ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا قَوْلٌ أَبْرَزَهُ الدَّلَالُ وَالْغَيْرَةُ، وَهُوَ مِنْ نَوْعِ قَوْلِهَا مَا أَحْمَدُكُمَا وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ، وَإِلَّا فَإِضَافَةُ الْهَوَى إِلَى النَّبِيِّ لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى وَلَا يَفْعَلُ بِالْهَوَى، وَلَوْ قَالَتْ إِلَى مَرْضَاتِكَ لَكَانَ أَلْيَقَ، وَلَكِنَّ الْغَيْرَةَ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا إِطْلَاقُ مِثْلِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبَدَةُ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ)، أَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ فَوَصَلَهَا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ عَنْهُ مُخْتَصَرًا كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ: قَالَتِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ حَسْبُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ فَوَصَلَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ بِتَمَامِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ وَفَائِدَةٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبَدَةَ وَهُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ، وَهِيَ نَحْوُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ

٣٠ - بَاب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ

٥١١٤ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

قَوْلُهُ: (بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ) كَأَنَّهُ يَحْتَجُّ إِلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ شَيْئًا غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ الْمَنْعِ كَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَه عَلَى شَرْطِهِ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا عَمْرٌو) هُوَ ابْنُ دِينَارٍ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ.

قَوْلُهُ: (تَزَوَّجَ النَّبِيُّ وَهُوَ مُحْرِمٌ) تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ الْمَذْكُورَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ، وَتَقَدَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ وَزَادَ: وَبَنَى بِهَا وَهِيَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ إِنَّ أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُدْفَعُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَيْ مَعَ صِحَّتِهِ - قَالَ فَقَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، ابْنُ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَيْمُونَةُ تَقُولُ: تَزَوَّجَنِي وَهُوَ حَلَالٌ اهـ.

وَقَدْ عَارَضَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثُ عُثْمَانَ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِحَمْلِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ .

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، جَاءَتْ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى، وَحَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَكِنَّ الْوَهْمَ إِلَى الْوَاحِدِ أَقْرَبُ إِلَى الْوَهْمِ مِنَ الْجَمَاعَةِ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْخَبَرَيْنِ أَنْ يَتَعَارَضَا فَتُطْلَبُ الْحُجَّةُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ صَحِيحٌ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ مُلَخَّصًا، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ عُثْمَانَ عَلَى الْوَطْءِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ: لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَلَا يُنْكَحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَلَا يَخْطُبُ، وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ زِيَادَةٌ وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ، وَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ عُثْمَانَ بِأَنَّهُ تَقْعِيدُ قَاعِدَةٍ.

وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاقِعَةُ عَيْنٍ تَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ: فَمِنْهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ يَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَالنَّبِيُّ كَانَ قَلَّدَ الْهَدْيَ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ الَّتِي تَزَوَّجَ فِيهَا مَيْمُونَةَ، فَيَكُونُ