حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفُسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ رِوَايَةٌ هُنَا بِلَفْظِ: ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي الضَّرْطَةِ؛ فَقَالَ: لِمَ يَضْحَكْ أَحَدُهُمْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: لَا يَسْخَرْ نَهْيٌ عَنِ السُّخْرِيَةِ وَهِيَ فِعْلُ السَّاخِرِ، وَهُوَ الَّذِي يُهْزَأُ مِنْهُ، وَالسُّخْرِيَةُ تَسْخِيرٌ خَاصٌّ وَالسُّخْرِيَةُ سِيَاقَةُ الشَّيْءَ إِلَى الْغَرَضِ الْمُخْتَصِّ بِهِ قَهْرًا، فَوَرَدَ النَّهْيُ عَنِ اسْتِهْزَاءِ الْمَرْءِ الْآخَرِ تَنْقِيصًا لَهُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَيْرا مِنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ: بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ جَلَدَ الْعَبْدَ) يُرِيدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ رَوَوْهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي قِصَّةِ النَّهْي عَنْ ضَرْبِ الْمَرْأَةِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ جَزَمُوا بِقَوْلِهِمْ جَلْدُ الْعَبْدِ مَوْضِعُ شَكِّ ابْنُ عُيَيْنَةَ هَلْ قَالَ جَلْدُ الْفَحْلِ أَوْ جَلْدُ الْعَبْدِ، وَالتَّعَالِيقُ الثَّلَاثَةُ تَقَدَّمَ بَيَانُ كَوْنِهَا مَوْصُولَةً، أَمَّا رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي النِّكَاحِ وَسَاقَهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ وُهَيْبٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي التَّفْسِيرِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهَا أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِنًى، وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ تَحْرِيمِ الْعِرْضِ - وَهُوَ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الشَّخْصِ - أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ حَسَبِهِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: عِرْضُ الرَّجُلِ بَدَنُهُ وَنَفْسُهُ لَا غَيْرَ، وَمِنْهُ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. قُلْتُ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْحَصْرِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُ حَسَّانَ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
يُخَاطِبُ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ ﷺ، وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ تَهَاجِيهِمْ فِي مَدْحِ الْآبَاءِ وَذَمِّهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ.
٤٤ - بَاب مَا يُنْهَى مِنْ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ
٦٠٤٤ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.
تَابَعَهُ محمد بن جعفر عَنْ شُعْبَةَ.
٦٠٤٥ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: "لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ".
٦٠٤٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاحِشاً وَلَا لَعَّاناً وَلَا سَبَّاباً كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ".
٦٠٤٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ