وَالِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، وَكَثْرَةُ اطِّلَاعِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى السُّنَّةِ، وَتَثَبُّتُ أَبِي مُوسَى فِي الْفُتْيَا؛ حَيْثُ دَلَّ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَفِي جَوَابِ أَبِي مُوسَى إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَسَلْمَانُ ابْنُ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَقَدْ رَجَعَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ سَلْمَانَ أَيْضًا رَجَعَ كَأَبِي مُوسَى، وَسَلْمَانُ الْمَذْكُورُ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَلَهُ أَثَرٌ فِي فُتُوحِ الْعِرَاقِ أَيَّامَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَاسْتُشْهِدَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْلُ لِمَعْرِفَتِهِ بِهَا.
وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مَنْ يَكُونُ أَقْرَبَ الْعَصَبَاتِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ عَصَبَةٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَتْ أُنْثَى كَانَ الْمَالُ الْبَاقِي لَهَا، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ الْأَخَوَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةً فَصِرْنَ مَعَ الْبَنَاتِ فِي حُكْمِ الذُّكُورِ مِنْ قِبَلِ الْإِرْثِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَجْهُ كَوْنِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ ذَكَرًا، أَنَّهُ الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى الْوَهَمِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَالَ وَلَدُ فُلَانٍ كَذَا، فَأَوَّلُ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ أَنَّ الْمُرَادَ الذَّكَرَ وَإِنْ كَانَ الْإِنَاثُ أَيْضًا أَوْلَادًا بِالْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ هُوَ أَمْرٌ شَائِعٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ وَقَالَ: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾ وَقَالَ حِكَايَةً عَنِ الْكَافِرِ الَّذِي قَالَ: ﴿لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا﴾ وَالْمُرَادُ بِالْأَوْلَادِ وَالْوَلَدِ فِي هَذِهِ الْآيِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا كَانَتْ تَتَكَاثَرُ بِالْبَنَاتِ فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ عَلَى الْوَلَدِ الذَّكَرِ لَمْ يَمْنَعِ الْأُخْتَ الْمِيرَاثَ مَعَ الْبِنْتِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِي الْآيَةِ أَعَمَّ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْعُمُومُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الذَّكَرِ، فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ قِصَّةِ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ مَسْعُودٍ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْخَبَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، وَنَقْضُ الْحُكْمِ إِذَا خَالَفَ النَّصَّ.
قُلْتُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ النَّصِّ، وَهُوَ لَائِقٌ بِمَنْ يَعْمَلُ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَوَيْ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، وَالشِّيرَازِيِّ حَكَيَا الْخِلَافَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَطَائِفَةٌ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ; وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ الِانْقِيَادُ لِلْعُمُومِ فِي الْحَالِ، وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ، وَابْنُ خَيْرَانَ، وَالْقَفَّالُ: يَجِبُ الْبَحْثُ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمُطْلَقِ.
٩ - بَاب مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْإِخْوَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ الْجَدُّ أَبٌ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾، ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ مُتَوَافِرُونَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرِثُنِي ابْنُ ابْنِي دُونَ إِخْوَتِي وَلَا أَرِثُ أَنَا ابْنَ ابْنِي وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ
٦٧٣٧ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute