للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ يَدْعُو: يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ، فَقَالُوا: كَانَ مُحَمَّدٌ يَأْمُرُنَا بِدُعَاءِ إِلَهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ، فَنَزَلَتْ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ آخَرَ نَحْوَهُ.

الثَّانِي: قَوْلُهُ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، كَذَا لِلْأَكْثَرِ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ تَبَعًا لِأَبِي عَلِيٍّ الْجَيَّانِيِّ: هُوَ إِمَّا ابْنُ سَلَّامٍ، وَإِمَّا ابْنُ الْمُثَنَّى. انْتَهَى. وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ، فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِهِ، كَمَا صَنَعَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: ح عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَلَوْ كَانَ ابْنُ الْمُثَنَّى لَقَالَ: حَدَّثَنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾

٧٣٧٨ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ؛ يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَالْأَصِيلِيِّ، وَالْحَفْصَوِيِّ عَلَى وَفْقِ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ: إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ إِلَخْ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ بَطَّالٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ، وَالْكِرْمَانِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ الصَّغَانِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّ الَّذِي وَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ تَغْيِيرِهِمْ؛ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ خِلَافَ الْقِرَاءَةِ، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ قِرَاءَةٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قُلْتُ: وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ أَقْرَأَهُ كَذَلِكَ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرَهُ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: الْمَعْنَى فِي وَصْفِهِ بِالْقُوَّةِ أَنَّهُ الْقَادِرُ الْبَلِيغُ الِاقْتِدَارَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ هُوَ السُّكَّرِيُّ، وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ) الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا: وَيَرْزُقُهُمْ وَقَوْلُهُ: يَدْعُونَ بِسُكُونِ الدَّالِ وَجَاءَ تَشْدِيدُهَا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: تَضَمَّنَ هَذَا الْبَابُ صِفَتَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى: صِفَةُ ذَاتٍ، وَصِفَةُ فِعْلٍ، فَالرِّزْقُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ؛ لِأَنَّ رَازِقًا يَقْتَضِي مَرْزُوقًا، وَاللَّهُ كَانَ وَلَا مَرْزُوقٌ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ فَهُوَ مُحْدَثٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ الرَّزَّاقُ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ سَيَرْزُقُ إِذَا خَلَقَ الْمَرْزُوقِينَ.

وَالْقُوَّةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَهِيَ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، وَلَمْ يَزَلْ ذَا قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، وَلَمْ تَزَلْ قُدْرَتُهُ مَوْجُودَةً قَائِمَةً بِهِ مُوجِبَةً لَهُ حُكْمَ الْقَادِرِينَ.

وَالْمَتِينُ بِمَعْنَى الْقَوِيِّ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الثَّابِتُ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْقَوِيُّ التَّامُّ الْقُدْرَةِ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَجْزٌ فِي حَالَةٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى الْقُدْرَةِ، وَالْقَادِرُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ الشَّامِلَةُ وَالْقُدْرَةُ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَالْمُقْتَدِرُ هُوَ التَّامُّ الْقُدْرَةِ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّهُ قَادِرٌ بِنَفْسِهِ لَا بِقُدْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ذُو الْقُوَّةِ، وَزَعَمَ الْمُعْتَزِلِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ذُو الْقُوَّةِ: الشَّدِيدُ الْقُوَّةِ وَالْمَعْنَى فِي وَصْفِهِ بِالْقُوَّةِ وَالْمَتَانَةِ أَنَّهُ الْقَادِرُ الْبَلِيغُ الِاقْتِدَارَ، فَجَرَى عَلَى طَرِيقتهِمْ فِي أَنَّ الْقُدْرَةَ نَفْسِيَّةٌ، خِلَافًا لِقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ: إِنَّهَا صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ مَقْدُورٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَوْنُ الْقُدْرَةِ قَدِيمَةً