النَّارِ، انْتَهَى. وَهَذَا يَدُلُّ لِوُرُودِهَا فِي التَّكْثِيرِ لَا لِأَكْثَرِيَّتِهَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَارِيَةٌ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ مَجْرُورَةٌ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ عَلَى النَّعْتِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إِنَّهُ الْأَحْسَنُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ رُبَّ عِنْدَهُ حَرْفُ جَرٍّ يَلْزَمُ صَدْرَ الْكَلَامِ، قَالَ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ، أَيْ: هِيَ عَارِيَةٌ وَالْفِعْلُ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ، انْتَهَى. وَأَشَارَ ﷺ بِذَلِكَ إِلَى مُوجِبِ إِيقَاظِ أَزْوَاجِهِ، أَيْ: يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يَتَغَافَلْنَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَيَعْتَمِدْنَ عَلَى كَوْنِهِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ، وَنَدْبِيَّةُ ذِكْرِ اللَّهِ بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ، وَإِيقَاظُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ بِاللَّيْلِ لِلْعِبَادَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ آيَةٍ تَحْدُثُ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَالثَّانِي عَمْرٌو، وَيَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَفِيهِ رِوَايَةُ ثَلَاثَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فِي نَسَقٍ. وَهِنْدٌ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا صَحَابِيَّةٌ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ تَابِعِيٍّ عَنْ مِثْلِهِ عَنْ صَحَابِيَّةٍ عَنْ مِثْلِهَا، وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَتَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْإِسْرَاعِ إِلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ خَشْيَةِ الشَّرِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ وَكَانَ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَمَرَ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
وَفِيهِ التَّسْبِيحُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَهُولَةِ، وَفِيهِ تَحْذِيرُ الْعَالِمِ مَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَتَوَقَّعُ حُصُولُهُ، وَالْإِرْشَادُ إِلَى مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْمَحْذُورَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٤١ - بَاب السَّمَرِ فِي الْعِلْمِ
١١٦ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ.
[الحديث ١١٦ - طرفاه في: ٦٠١، ٥٦٤]
قَوْلُهُ: (بَابُ السَّمَرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ، وَقِيلَ: الصَّوَابُ إِسْكَانُ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ لِلْفِعْلِ، وَمَعْنَاهُ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ قَبْلَ النَّوْمِ ; وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَالَّتِي قَبْلَهَا.
قَوْلُهُ: (فِي الْعِلْمِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِإِضَافَةِ الْبَابِ إِلَى السَّمَرِ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ: بَابٌ السَّمَرُ فِي الْعِلْمِ بِتَنْوِينِ بَابٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ) أَيْ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ:، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَاللَّيْثُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَرِينَانِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَالِمٍ) أَيِ: ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ، وَاسْمُ أَبِي حَثْمَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فَتَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ لَمْ يُسَمَّ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ.
قَوْلُهُ: (صَلَّى لَنَا) أَيْ إِمَامًا، وَفِي رِوَايَةٍ بِنَا بِمُوَحَّدَةٍ.
قَوْلُهُ: (الْعِشَاءَ) أَيْ: صَلَاةَ الْعِشَاءِ.
قَوْلُهُ: (فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) جَاءَ مُقَيَّدًا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ ﷺ بِشَهْرٍ.
قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَكُمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ؛ لِأَنَّهَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ، وَالْكَافُ ضَمِيرٌ ثَانٍ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَالْهَمْزَةُ الْأُولَى لِلِاسْتِفْهَامِ، وَالرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ أَوِ الْبَصَرِ، وَالْمَعْنَى أَعَلِمْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ لَيْلَتَكُمْ، وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاضْبُطُوهَا. وَتَرِدُ أَرَأَيْتَكُمْ لِلِاسْتِخْبَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْمَعْنَى أَخْبِرُونِي. وَمُتَعَلِّقُ الِاسْتِخْبَارِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: مَنْ تَدْعُونَ. ثُمَّ بَكَّتَهُمْ فَقَالَ: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ﴾ انْتَهَى. وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ نَقَلَ كَلَامَ الزَّمَخْشَرِيِّ