الْحَدِيثُ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ لِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَوَوْا أَيْضًا فِيهِ التَّقْيِيدَ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَرْصِ زِيَادَةُ حَافِظٍ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا. وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْأَكْلِ كَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا أَنَّهُ قَيْدٌ، وَسَيَأْتِي عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ شَرْطُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قِيلَ: لِسُفْيَانَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْقَائِلِ.
قَوْلُهُ: (أَلَيْسَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ؟ قَالَ: لَا) أَيْ: لَيْسَ هُوَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَحِيحًا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ. وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، عَنْ سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي نَفَاهُ سُفْيَانُ، وَحَكَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنِ ابْنِ صَاعِدٍ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ وَهَمَ فِيهِ. قُلْتُ: قَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ، فَظَهَرَ أَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ.
٨٤ - بَاب تَفْسِيرِ الْعَرَايَا
وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: الْعَرِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا تَكُونُ بِالْجِزَافِ، وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالْأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄: كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ، وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا فرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ.
٢١٩٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ -، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ﵃: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَالْعَرَايَا نَخَلَاتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ تَفْسِيرِ الْعَرَايَا) هِيَ جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ عَطِيَّةُ ثَمَرِ النَّخْلِ دُونَ الرَّقَبَةِ، كَانَ الْعَرَبُ فِي الْجَدْبِ يَتَطَوَّعُ أَهْلُ النَّخْلِ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا ثَمَرَ لَهُ كَمَا يَتَطَوَّعُ صَاحِبُ الشَّاةِ أَوِ الْإِبِلِ بِالْمَنِيحَةِ وَهِيَ عَطِيَّةُ اللَّبَنِ دُونَ الرَّقَبَةِ، قَالَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ التِّينِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ لِسُوَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ:
لَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلَا رَجَبِيَّةٍ … وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينِ الْجَوَائِحِ
وَمَعْنَى سَنْهَاءٍ أَنْ تَحْمِلَ سَنَةً دُونَ سَنَةٍ والرَّجَبِيَّةُ الَّتِي تُدْعَمُ حِينَ تَمِيلُ مِنَ الضَّعْفِ، وَالْعَرِيَّةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَوْ فَاعِلَةٍ، يُقَالُ: عَرَّى النَّخْلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ بِالتَّعْدِيَةِ يَعْرُوهَا إِذَا أَفْرَدَهَا عَنْ غَيْرِهَا، بِأَنْ أَعْطَاهَا لِآخَرَ عَلَى سَبِيلِ الْمِنْحَةِ؛ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَتَبْقَى رَقَبَتُهَا لِمُعْطِيهَا، وَيُقَالُ: عَرِيَتِ النَّخْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ تَعْرَى عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ فَكَأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ أَخَوَاتِهَا وَاسْتَثْبَتَتْ بِالْعَطِيَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَا شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ) أَيْ: يَهَبُهَا لَهُ أَوْ يَهَبُ لَهُ ثَمَرَهَا (ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرَخَّصَ لَهُ) أَيْ: لِلْوَاهِبِ (أَنْ يَشْتَرِيَهَا) أَيْ: يَشْتَرِي رُطَبَهَا (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ (بِتَمْرٍ) أَيْ: يَابِسٍ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ ابْنُ عَبْدِ