لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ مَأْدُومًا نَفْيُ كَوْنِهِ مُطْلَقًا، وَفِي وُجُودِ ذَلِكَ ثَلَاثًا مُطْلَقًا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَنَاوُلِهِ وَإِبْقَائِهِ فِي الْبُيُوتِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا يُطْعَمُ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ إِدَامٍ.
قَوْلُهُ (وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ سُفْرَةً) تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَوْصُولًا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ مُطَوَّلًا، وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا.
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَابِسٌ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ابْنُ رَبِيعَةَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ، تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَيَلْتَبِسُ بِهِ عَابِسُ بْنُ رَبِيعَةَ الْغُطَيْفِيُّ صَحَابِيٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ: لَهُ صُحْبَةٌ وَشَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُمْ عَنْهُ رِوَايَةً.
قَوْلُهُ (قَالَتْ مَا فَعَلَهُ إِلَّا فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ) بَيَّنَتْ عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ نُسِخَ، وَأَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الْعَامِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَتْهَا، وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَغَرَضُ الْبُخَارِيِّ مِنْهُ قَوْلُهَا وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ إِلَخْ فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ جَوَازِ ادِّخَارِ اللَّحْمِ وَأَكْلِ الْقَدِيدِ، وَثَبَتَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ قِلَّةُ اللَّحْمِ عِنْدَهُمْ بِحَيْثُ إنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَشْبَعُونَ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ) هُوَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ، وَغَرَضُهُ تَصْرِيحُ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ بِإِخْبَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ لَهُ بِهِ وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ بِهِ.
تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لَا.
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ الثَّوْرِيُّ كَمَا بَيَّنْتُهُ.
قَوْلُهُ (تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ) قِيلَ إِنَّ مُحَمَّدًا هَذَا هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ. وَقَدْ وَقَعَ لِي الْحَدِيثُ فِي مُسْنَدٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ وَلَفْظُهُ كُنَّا نَعْزِلُ عَنْ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، وَكُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْيِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إِلَخْ) وَصَلَ الْمُصَنِّفُ أَصْلَ الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَا يُؤْكَلُ مِنَ الْبُدْنِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَلَفْظُهُ كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثٍ. فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِالسَّنَدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِهِ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلُوا وَتَزَوَّدُوا قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ جَابِرٌ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَذَا وَقَعَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَا وَالَّذِي وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى اخْتِلَافِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ الْحُمَيْدِيُّ فِي جَمْعِهِ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَلَمْ يَذْكُرَا تَرْجِيحًا، وَأَغْفَلَ ذَلِكَ شُرَّاحُ الْبُخَارِيِّ أَصْلًا فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا نَفْيَ الْحُكْمِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ جَابِرًا لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ مِنْهُمْ حَتَّى قَدِمُوا، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْيِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَيْ لِتَوَجُّهِنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ بَقَاؤُهَا مَعَهُمْ حَتَّى يَصِلُوا الْمَدِينَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لَكِنْ قَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ ذَبَحَ النَّبِيُّ ﷺ أُضْحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا ثَوْبَانُ أَصْلِحْ لَحْمَ هَذِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُطْعِمُهُ مِنْهُ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ادِّخَارُ طَعَامٍ لِغَدٍ، وَأَنَّ اسْمَ الْوِلَايَةِ لَا يَسْتَحِقُّ لِمَنِ ادَّخَرَ شَيْئًا وَلَوْ قَلَّ، وَأَنَّ مَنِ ادَّخَرَ أَسَاءَ الظَّنَّ بِاللَّهِ. وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كِفَايَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ ذَلِكَ.
٢٨ - بَاب الْحَيْسِ
٥٤٢٥ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ