الشَّوَاذِّ قِرَاءَاتٌ أُخْرَى. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ قَوْلُهُ: قِوَامُكُمْ إِنَّمَا قَالَهُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: (قِيَامًا) عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى. قُلْتُ: وَمِنْ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ يَحْصُلُ جَوَابُهُ.
قَوْلُهُ: ﴿مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ يَعْنِي اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا، وَلَا تُجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ) كَذَا وَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ، فَأَوْهَمَ أَنَّهُ ع نِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا كَالَّذِي قَبْلَهُ، وَوَقَعَ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَثْنَى إِلَخْ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُرْوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: لَا تَنْوِينَ فِي مَثْنَى لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ حَدِّهِ، وَالْحَدُّ أَنْ يَقُولُوا: اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثُلَاثُ وَرُبَاعُ؛ لِأَنَّهُ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعٌ، ثُمَّ أَنْشَدَ شَوَاهِدَ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا تُجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ، غَيْرَ أَنَّ الْكُمَيْتَ قَالَ:
فَلَمْ يَسْتَرْيِثُوكَ حَتَّى رَمَيْـ … تَ فَوْقَ الرِّجَالِ خِصَالًا عُشَارَا
انْتَهَى. وَقِيلَ: بَلْ يَجُوزُ إِلَى سُدَاسَ، وَقِيلَ: إِلَى عُشَارَ. قَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ: غَلِطَ الْمُتَنَبِّي فِي قَوْلِهِ: أُحَادٌ أَمْ سُدَاسٌ فِي أُحَادٍ لَمْ يُسْمَعْ فِي الْفَصِيحِ إِلَّا مَثْنَى وَثُلَاثُ وَرُبَاعُ، وَالْخِلَافُ فِي خُمَاسَ إِلَى عُشَارَ. وَيُحْكَى عَنْ خَلَفٍ الْأَحْمَرِ أَنَّهُ أَنْشَدَ أَبْيَاتًا مِنْ خُمَاسَ إِلَى عُشَارَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَعْدُولَةِ، هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى السَّمَاعِ أَوْ يُقَاسُ عَلَيْهَا؟ قَوْلَانِ أَشْهُرُهُمَا الِاقْتِصَارُ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. كَذَا قَالَ. قُلْتُ: وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ بَيْتُ الْكُمَيْتِ، وَكَذَا قَوْلُ الْآخَرِ:
ضَرَبْتُ خُمَاسَ ضَرْبَةَ عَبْشَمِيٍّ … أَرَادَ سُدَاسُ أَنْ لَا تَسْتَقِيمَا
وَهَذِهِ الْمَعْدُولَاتُ لَا تَقَعُ إِلَّا أَحْوَالًا كَهَذِهِ الْآيَةِ، أَوْ أَوْصَافًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ أَوْ إِخْبَارًا كَقَوْلِهِ ﵊: وَصَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى وَلَا يُقَالُ فِيهَا: مَثْنَاةٌ وَثَلَاثَةٌ، بَلْ تَجْرِي مَجْرًى وَاحِدًا، وَهَلْ يُقَالُ: مَوْحَدُ كَمَا يُقَالُ مَثْنَى؟ الْفَصِيحُ لَا. وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَكَذَا مَثْلَثُ إِلَخْ. وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ: إِنَّ مَعْنَى مَثْنَى اثْنَتَيْنِ فِيهِ اخْتِصَارٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٌ ثَلَاثٌ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِشُهْرَتِهِ، أَوْ كَانَ لَا يَرَى التَّكْرَارَ فِيهِ، وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ مَا يُنْكَحُ مِنَ النِّسَاءِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: ﴿لَهُنَّ سَبِيلا﴾ يَعْنِي الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ) ثَبَتَ هَذَا أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ حَسْبُ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، وَالْمُرَادُ الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ لِلثَّيِّبِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١ - بَاب ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾
٤٥٧٣ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂، أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾ أَحْسِبُهُ قَالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute