عَنْهُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ إِلَى آخِرِهِ مُعَلَّقًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَتَمُّ سِيَاقًا.
٣ - بَاب: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿قَرَأْنَاهُ﴾ بَيَّنَّاهُ، ﴿فَاتَّبِعْ﴾ اعْمَلْ بِهِ
٤٩٢٩ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه بِالْوَحْيِ وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ الَّتِي فِي ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ. ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى﴾ تَوَعُّدٌ.
قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ، فَاتَّبِعْ: اعْمَلْ بِهِ) هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ: كَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي النُّزُولِ، وَكَانَتِ الشِّدَّةُ تَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِثِقَلِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، وَفِي حَدِيثِهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَيْضًا: وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الشِّدَّةَ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَكِنَّ إِحْدَاهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ) اقْتَصَرَ أَبُو عَوَانَةَ عَلَى ذِكْرِ الشَّفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إِسْرَائِيلُ، وَاقْتَصَرَ سُفْيَانُ عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ، وَالْجَمِيعُ مُرَادٌ إِمَّا لِأَنَّ التَّحْرِيكَيْنِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا، أَوِ الْمُرَادُ يُحَرِّكُ فَمَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَاللِّسَانِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ اللِّسَانُ هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّطْقِ اقْتَصَرَ فِي الْآيَةِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ) ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْمُبَادَرَةِ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي يَجِدُهَا عِنْدَ النُّزُولِ، فَكَانَ يَتَعَجَّلُ بِأَخْذِهِ لِتَزُولَ الْمَشَقَّةُ سَرِيعًا. وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَاهُ حَيْثُ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ تَخْشَى أَنْ يَنْفَلِتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: كَانَ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ يَتَذَكَّرُهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّا سَنَحْفَظُهُ عَلَيْكَ. وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ: كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عَجَّلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ حُبِّهِ إِيَّاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهُ، فَأُمِرَ أَنْ يَتَأَنَّى إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ النُّزُولُ. وَلَا بُعْدَ فِي تَعَدُّدِ السَّبَبِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحَرِّكُهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكْهُمَا، فَأُطْلِقَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقُيِّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي خَبَرِ سَعِيدٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ ﷺ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ، وَلَمْ يَكُنِ ابْنُ عَبَّاسٍ وُلِدَ حِينَئِذٍ، وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ ﷺ بِذَلِكَ بَعْدُ فَيَرَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُ لَكَ شَفَتَيَّ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِبْرَازَ الضَّمِيرِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلشَّفَتَيْنِ ذِكْرٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute