وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ) يَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النَّفْيَ فِي الطِّيَرَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنْ فِي الشَّرِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ.
٤٤ - بَاب الْفَأْلِ
٥٧٥٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أحَدُكُمْ.
٥٧٥٦ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عن قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ.
[الحديث ٥٧٥٦ - طرفه في: ٥٧٧٦]
قَوْلُهُ: (بَابُ الْفَأْلِ) بِفَاءٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ وَقَدْ تُسَهَّلُ، وَالْجَمْعُ فُئُولٌ بِالْهَمْزَةِ جَزْمًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: وَمَا الْفَأْلُ)؟ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْإِفْرَادِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ قَالُوا كَرِوَايَةِ شُعَيْبٍ.
قَوْلُهُ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ: وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ. وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ذَكَرْتُ الطِّيَرَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: خَيْرُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْفَأْلَ مِنْ جُمْلَةِ الطِّيَرَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ إِضَافَةُ تَوْضِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الطِّيَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ التَّيَامُنَ، فَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ التَّيَامُنِ مَرْدُودًا كَالتَّشَاؤُمِ، بَلْ بَعْضُ التَّيَامُنِ مَقْبُولٌ. قُلْتُ: وَفِي الجَوَابِ الْأَوَّلِ دَفْعٌ فِي صَدْرِ السُّؤَالِ، وَفِي الثَّانِي تَسْلِيمُ السُّؤَالِ وَدَعْوَى التَّخْصِيصِ، وَهُوَ أَقْرَبُ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: كَانَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْعَيْنُ حَقٌّ، وَأَصْدَقُ الطِّيَرَةِ الْفَأْلُ، فَفِي هَذَا التَّصْرِيحِ أَنَّ الْفَأْلَ مِنْ جُمْلَةِ الطِّيَرَةِ لَكِنَّهُ مُسْتَثْنًى.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ الْمُؤَنَّثُ فِي قَوْلِهِ: وَخَيْرُهَا رَاجِعٌ إِلَى الطِّيَرَةِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الطِّيَرَةَ كُلَّهَا لَا خَيْرَ فِيهَا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا﴾ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَهُوَ مِنْ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ فِي الْمُخَادَعَةِ بِأَنْ يَجْرِيَ الْكَلَامُ عَلَى زَعْمِ الْخَصْمِ حَتَّى لَا يَشْمَئِزَّ عَنِ التَّفَكُّرِ فِيهِ، فَإِذَا تَفَكَّرَ فَأَنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ الْحَقِّ، فَقَوْلُهُ: خَيْرُهَا الْفَأْلُ إِطْمَاعٌ لِلسَّامِعِ فِي الِاسْتِمَاعِ وَالْقَبُولِ، لَا أَنَّ فِي الطِّيَرَةِ خَيْرًا حَقِيقَةً، أَوْ هُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ: الصَّيْفُ أَحَرُّ مِنَ الشِّتَاءِ أَيِ الْفَأْلُ فِي بَابِهِ أَبْلَغُ مِنَ الطِّيَرَةِ فِي بَابِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ تَأْثِيرُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا هُوَ فِيهِ، وَالْفَأْلُ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَصْدَرَ الْفَأْلِ عَنْ نُطْقٍ وَبَيَانٍ، فَكَأَنَّهُ خَبَرٌ جَاءَ عَنْ غَيْبٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى حَرَكَةِ الطَّائِرِ أَوْ نُطْقِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَكَلُّفٌ مِمَّنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute