الْجَنَّةِ فِيهِ نِدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِقَرِينَةِ جَوَابِهِمْ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْمُرَاجَعَةُ بِقَوْلِهِ: هَلْ رَضِيتُمْ، وَقَوْلُهُمْ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَوْلُهُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ، وَقَوْلُهُمْ: يَا رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ، وَقَوْلُهُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ﷾ هُوَ الَّذِي كَلَّمَهُمْ وَكَلَامُهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ مُيَسَّرٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَالنَّظَرُ فِي كَيْفِيَّتِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَا نَقُولُ بِالْحُلُولِ فِي الْمُحْدَثِ وَهِيَ الْحُرُوفُ وَلَا أَنَّهُ دَلَّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، بَلِ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ حَقٌّ مُيَسَّرٌ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ صِدْقٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ مُقَدَّرًا فَلْنَتْرُكِ الْمَشَقَّةَ فِي الْعَمَلِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَ بِالتَّكْلِيفِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خُلِقَ لِشَيْءٍ يُسِّرَ لِعَمَلِهِ فَلَا مَشَقَّةَ مَعَ التَّيْسِيرِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا مَا سَبَقَ حُجَّةً فِي تَرْكِ الْعَمَلِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ هُنَا أَمْرَيْنِ لَا يُبْطِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ: بَاطِنٌ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ حُكْمُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظَاهِرٌ وَهُوَ السِّمَةُ اللَّازِمَةُ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ وَهُوَ أَمَارَةٌ لِلْعَاقِبَةِ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْعَاجِلِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْآجِلِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يُتْرَكُ لِلْبَاطِنِ. قُلْتُ: وَكَأَنَّ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْبَابِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ التَّيْسِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٥ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾، ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: مَكْتُوبٌ، ﴿يَسْطُرُونَ﴾ يَخُطُّونَ ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، ﴿يُحَرِّفُونَ﴾ يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ ﷿ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يَتَأَوَّلُونَهُ عن غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، دِرَاسَتُهُمْ: تِلَاوَتُهُمْ، ﴿وَاعِيَةٌ﴾ حَافِظَةٌ، ﴿وَتَعِيَهَا﴾ تَحْفَظُهَا، ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ﴾ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، ﴿وَمَنْ بَلَغَ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ فَهُوَ لَهُ نَذِيرٌ
٧٥٥٣ - وقَالَ لِي خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ، غَلَبَتْ - أَوْ قَالَ: سَبَقَتْ - رَحْمَتِي غَضَبِي فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ.
٧٥٥٤ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّذِي بَعْدَهَا: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّ الْقُرْآنَ يُحْفَظُ وَيُسْطَرُ، وَالْقُرْآنُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ الْمَسْطُورُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَتْلُوُّ بِالْأَلْسِنَةِ كَلَامِ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وَأَمَّا الْمِدَادُ وَالْوَرَقُ وَالْجِلْدُ فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ.
قَوْلُهُ: ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: مَكْتُوبٌ) وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ قَالَ: الْمَسْطُورُ: الْمَكْتُوبُ، فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ: هُوَ الْكِتَابُ، وَصَلَهُ عبْيدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute