نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ قَالَ: صُحُفٌ مَكْتُوبَةٌ، ﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ قَالَ: فِي صُحُفٍ.
قَوْلُهُ: ﴿يَسْطُرُونَ﴾ يَخُطُّونَ) أَيْ يَكْتُبُونَ، أَوْرَدَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ.
قَوْلُهُ: ﴿فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قَالَ: جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يَقُولُ: جُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ وَمَا يُكْتَبُ وَمَا يُبَدَّلُ.
قَوْلُهُ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ قَالَ: مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مَجْمَعٍ قَالَ: الْمَلَكُ مِدَادُهُ رِيقُهُ، وَقَلَمُهُ لِسَانُهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْتُبُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ قَالَ: إِنَّمَا يَكْتُبُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ قَالَ: يُكْتَبُ كُلَّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ حَتَّى أَنَّهُ لَيُكْتَبُ قَوْلَهُ: أَكَلْتُ شَرِبْتُ ذَهَبْتُ جِئْتُ رَأَيْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ عُرِضَ قَوْلُهُ وَعَمَلُهُ فَأُقِرَّ مَا كَانَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَأُلْقِيَ سَائِرُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ يَاءٍ مَهْمُوزَةٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ، وَالْكَلْبِيُّ مَتْرُوكٌ وَأَبُو صَالِحٍ لَمْ يُدْرِكْ جَابِرًا هَذَا، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. قُلْتُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: ﴿يُحَرِّفُونَ﴾ يُزِيلُونَ) لَمْ أَرَ هَذَا مَوْصُولًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتٍ مَعَ أَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: دِرَاسَتُهُمْ: تِلَاوَتُهُمْ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِهِ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ تَفْسِيرُ يُحَرِّفُونَ بِقَوْلِهِ: يُزِيلُونَ، نَعَمْ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْمَجَازِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ قَالَ: يُقَلِّبُونَ وَيُغَيِّرُونَ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: التَّحْرِيفُ الْإِمَالَةُ وَتَحْرِيفُ الْكَلَامِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى حَرْفٍ مِنَ الِاحْتِمَالِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ ﷿ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يَتَأَوَّلُونَهُ عَنْ غَيْرِ تَأْوِيلِهِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحه هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مُخْتَارُهُ - أَيِ الْبُخَارِيُّ - وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ جَوَازَ امْتِهَانِ أَوْرَاقِهِمَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا انْتَهَى. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَيْسَ أَحَدٌ إِلَى آخِرِهِ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ ذَيَّلَ بِهِ تَفْسِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقِيَّةَ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ: اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهَا بُدِّلَتْ كُلُّهَا وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ بِجَوَازِ الِامْتِهَانِ وَهُوَ إِفْرَاطٌ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ إِطْلَاقِ مَنْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَهِيَ مُكَابَرَةٌ، وَالْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ فِي أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تُبَدَّلْ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute