النَّبِيَّ ﷺ أُرِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ: أنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ، وَحَدِيثَ عُمَرَ مَرْفُوعًا: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي الْحَجِّ مُسْتَوْفًى، وَلَكِنْ أَشْكَلَ تَعَلُّقُهُمَا بِالتَّرْجَمَةِ فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: حَاوَلَ الْبُخَارِيُّ جَعْلَ مَوْضِعِ مُعَرَّسِ النَّبِيِّ ﷺ مَوْقُوفًا أَوْ مُتَمَلَّكًا لَهُ لِصَلَاتِهِ فِيهِ وَنُزُولِهِ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْزِلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَيُصَلِّي فِيهِ فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مِلْكَهُ كَمَا صَلَّى فِي دَارِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ.
وَأَجَابَ ابْنُ بَطَّالٍ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنَّ الْمُعَرَّسَ نُسِبَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِنُزُولِهِ فِيهِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مِلْكَهُ، وَنَفَى ابْنُ الْمُنِيرِ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ أَرَادَ مَا ادَّعَاهُ الْمُهَلَّبُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْبَطْحَاءَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّعْرِيسُ وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ فِيهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْمَوَاتِ الَّذِي يُحْيَا وَيُمْلَكُ إِذْ لَمْ يَقَعْ فِيهَا تَحْوِيطٌ وَنَحْوُهُ مِنْ وُجُوهِ الْإِحْيَاءِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا تَلْحَقُ بِحُكْمِ الْإِحْيَاءِ لِمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِذَلِكَ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أُرْصِدَتْ لِلْمُسْلِمِينَ كَمِنًى مَثَلًا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا وَيَتَحَجَّرَهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا عُمُومًا.
قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَادِيَ الْمَذْكُورَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَوَاتِ لَكِنْ مَكَانُ التَّعْرِيسِ مِنْهُ مُسْتَثْنًى لِكَوْنِهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ فَلَا يَصِحُّ احْتِجَارُهُ لِأَحَدٍ وَلَوْ عَمِلَ فِيهِ بِشُرُوطِ الْإِحْيَاءِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْبُقْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ بَلْ كُلُّ مَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ.
(تَنْبِيهٌ): الْمُعَرَّسُ بِمُهْمَلَاتٍ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعُ التَّعْرِيسِ، وَهُوَ نُزُولُ آخِرِ اللَّيْلِ لِلرَّاحَةِ.
١٧ - بَاب إِذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: أُقِرُّكَ مَا أَقَرَّكَ اللَّهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا - فَهُمَا عَلَى تَرَاضِيهِمَا
٢٣٣٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. . . ح. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ: أُقِرُّكَ مَا أَقَرَّكَ اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا فَهُمَا عَلَى تَرَاضِيهِمَا). أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي مُعَامَلَةِ يَهُودِ خَيْبَرَ، أَوْرَدَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ الْفُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَمُعَلَّقًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ، وَقَدْ وَصَلَ مُسْلِمٌ طَرِيقَ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِتَمَامِهَا، وَسَيَأْتِي لَفْظُ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ فِي كِتَابِ الْخُمُسِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ عُمَرَ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ) سَيَأْتِي سَبَبُ ذَلِكَ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: جَلَى الْقَوْمَ عَنْ مَوَاطِنِهِمْ وَأَجْلَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالِاسْمُ الْجَلَاءُ وَالْإِجْلَاءُ، وَأَرْضُ الْحِجَازِ هِيَ مَا يَفْصِلُ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَا بَيْنَ وَجْرَةَ وَغَمْسِ الطَّائِفِ نَجْدٌ، وَمَا كَانَ مِنْ وَرَاءِ وَجْرَةَ إِلَى الْبَحْرِ تِهَامَةُ. وَوَقَعَ هُنَا لِلْكَرْمَانِيِّ تَفْسِيرُ الْحِجَازِ بِمَا فَسَرُّوا بِهِ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ الْآتِي فِي بَابِ هَلْ يُسْتَشْفَعُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَهُوَ خَطَأٌ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَخْ) هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute