بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ: هُوَ كَتَجْرٍ وَتَاجِرٍ وَالْمُرَادُ بِهِمُ النَّدَامَى.
قَوْلُهُ: (تُحَيِّينَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تُحَيِّينِي بِالْإِفْرَادِ، وَقَوْلُهُ: فَهَلْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهَلْ لِي بِالْوَاوِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ سَلَامٍ أَيْ مِنْ سَلَامَةٍ، وَفِيهِ قُوَّةٌ لِمَنْ قَالَ: الْمُرَادُ مِنَ السَّلَامِ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ أَوِ الْإِخْبَارُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (أَصْدَاءٍ) جَمْعُ صَدًى وَهُوَ ذَكَرُ الْبُومِ، وَهَامٌ جَمْعُ هَامَةٍ وَهُوَ الصَّدَى أَيْضًا وَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ، وَقِيلَ: الصَّدَى الطَّائِرُ الَّذِي يَطِيرُ بِاللَّيْلِ، وَالْهَامَةُ جُمْجُمَةُ الرَّأْسِ وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الصَّدَى بِزَعْمِهِمْ، وَأَرَادَ الشَّاعِرُ إِنْكَارَ الْبَعْثِ بِهَذَا الْكَلَامِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا صَارَ الْإِنْسَانُ كَهَذَا الطَّائِرِ كَيْفَ يَصِيرُ مَرَّةً أُخْرَى إِنْسَانًا. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَزْقُو وَتَقُولُ: اسْقُونِي اسْقُونِي، وَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ فَذَهَبَتْ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّكَ إِلَّا تَذَرْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي … أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسْقُونِي
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ هِشَامٍ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ فِي السِّيرَةِ بِزِيَادَةِ خَمْسَةِ أَبْيَاتٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَعَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ خَالِدٍ أَيْضًا، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ الْقَصِيدَةَ الْمَذْكُورَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالشِّعْرَ مُطَوَّلًا، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ، وَزَادَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَنَحَلَهَا النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ مِنْ أَجْلِ امْرَأَتِهِ أُمِّ بَكْرٍ الَّتِي طَلَّقَ، وَإِنَّمَا قَائِلُهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَعُوبٍ. قُلْتُ: وَابْنُ شَعُوبٍ الْمَذْكُورُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ أَبُو سُفْيَانَ:
وَلَوْ شِئْتُ نَجَّتْنِي كُمَيْتٌ طِمِرَّةٌ … وَلَمْ أَحْمِلِ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ
وَكَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ حَمَلَ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَكَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَحَمَلَ ابْنُ شَعُوبٍ عَلَى حَنْظَلَةَ مِنْ وَرَائِهِ فَقَتَلَهُ، فَنَجَا أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا مِنْهَا هَذَا الْبَيْتُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَنَسٍ، تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: اللَّهُ ثَالِثُهُمَا أَيْ مُعَاوِنُهُمَا وَنَاصِرُهُمَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ كُلِّ اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ، كَمَا قَالَ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾ الْآيَةَ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الْهِجْرَةِ الْحَدِيثَ، أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مَوْصُولٍ وَمُعَلَّقٍ، وَالْمَوْصُولُ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَالْمُعَلَّقُ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ بِالْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا، وَمَرَّ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. وَالْأَعْرَابِيُّ مَا عَرَفْتَ اسْمَهُ، وَالْهِجْرَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا مُفَارَقَةُ دَارِ الْكُفْرِ إِذْ ذَاكَ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَكَأنَ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ إِذْ ذَاكَ فَرْضَ عَيْنٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﷺ: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ.
وَقَوْلُهُ: اعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ - مُبَالَغَةٌ فِي إِعْلَامِهِ بِأَنَّ عَمَلَهُ لَا يَضِيعُ فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ، وَقَوْلُهُ: لَنْ يَتِرَكَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ ثُمَّ رَاءٍ وَكَافٍ، أَيْ يَنْقُصَكَ.
٤٦ - بَاب مَقْدَمِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ
٣٩٢٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ ﵁ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَبِلَالٌ ﵃.
٣٩٢٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ