١ - بَاب فِي تَرْكِ الْحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا
٦٩٥٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ تَرْكِ الْحِيَلِ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَدْخَلَ الْبُخَارِيُّ التَّرْكَ فِي التَّرْجَمَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَيْ مِنَ التَّرْجَمَةِ الْأُولَى - إِجَازَةُ الْحِيَلِ. قَالَ: وَهُوَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ بَيْعَةِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ بَلْ دَعَا لَهُ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَلَمْ يَقُلْ بَابُ تَرْكِ بَيْعَةِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَتَهُ لَوْ وَقَعَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِنْكَارٌ، بِخِلَافِ الْحِيَلِ فَإِنَّ فِي الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا عُمُومًا إِبْطَالَ حُقُوقٍ وَجَبَتْ وَإِثْبَاتَ حُقُوقٍ لَا تَجِبُ فَتَحَرَّى فِيهَا لِذَلِكَ.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا أَطْلَقَ أَوَّلًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مِنَ الْحِيَلِ مَا يُشْرَعُ فَلَا يُتْرَكُ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا عَلَى إِرَادَةِ الْيَمِينِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنَ الْحَدِيثِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: اتَّسَعَ الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّظَّارِ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَحَمَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمُعَامَلَاتِ، وَتَبِعَ مَالِكًا فِي الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ، فَلَوْ فَسَدَ اللَّفْظُ وَصَحَّ الْقَصْدُ أُلْغِيَ اللَّفْظُ وَأُعْمِلَ الْقَصْدُ تَصْحِيحًا وَإِبْطَالًا، قَالَ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَإِبْطَالِ التَّحَيُّلِ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ، وَوَجْهُ التَّعْمِيمِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ الْمُقَدَّرَ الِاعْتِبَارُ، فَمَعْنَى الِاعْتِبَارِ فِي الْعِبَادَاتِ إِجْزَاؤُهَا وَبَيَانُ مَرَاتِبِهَا، وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ الرَّدُّ إِلَى الْقَصْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ تَصْرِيحُ الْبُخَارِيِّ بِدُخُولِ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَقَلْتُ هُنَاكَ كَلَامَ ابْنِ الْمُنِيرِ فِي ضَابِطِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ التَّيْمِيُّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ عَلْقَمَةَ شَيْخُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْوَحْيِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ خَطَبَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: يَخْطُبُ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ) تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ: بِالنِّيَّاتِ، وَفِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ كَمَا هُنَا مَعَ حَذْفِ إِنَّمَا مِنْ أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهُوَ الَّذِي عَلَّقَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَنْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَكَانَ لَمْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: يَصِحُّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ.
وَاحْتُجَّ لِلْأَوَّلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شُبْرُمَةَ، فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَجَابُوا أَنَّ الْحَجَّ خَرَجَ عَنْ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ وَلِذَلِكَ يَمْضِي فَاسِدُهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَدْ وَافَقَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ وَأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِأَثْنَاءِ الْحَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ الْخَبَرِ مَا يَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْفَضْلِ الْإِلَهِيِّ بِالْقَصْدِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ كَالْأَجْرِ