لَا نَدَعُكَ تُسَمِّيهِ بِاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ بِابْنِهِ حَامِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ بَيَّنَ شُعْبَةُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي، أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ مُسْنَدِ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْهُ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ جَابِرٍ، وَفِيهِ أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْأَطْرَافِ، وَقَدَّمْتُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ أَرْجَحُ، وَذَكَرْتُ وَجْهَ رُجْحَانِهِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْلُهُ: (لَا نُكَنِّيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا كَرَامَةَ) فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَلَا نُنَعِّمُكَ عَيْنًا؛ هُوَ مِنَ الْإِنْعَامِ، أَيْ لَا نُنَعِّمُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ فَتَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ تَكْنِيَةِ الْمَرْءِ بِمَنْ يُولَدُ لَهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ أَوْلَادِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ ﷺ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَلِبَعْضِهِمْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ: فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) فِي مُطَابَقَةِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ عُسْرٌ، وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ التَّكَنِّي بِكُنْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ اقْتَضَى مَشْرُوعِيَّةُ الْكُنْيَةِ، وَأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ اخْتَارَ لَهُ اسْمًا يَطِيبُ خَاطِرُهُ بِهِ إِذْ غَيَّرَ الِاسْمَ، فَاقْتَضَى الْحَالُ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ عَلَيْهِ إِلَّا بِاسْمٍ حَسَنٍ، وَتَوْجِيهُ كَوْنِهِ أَحْسَنُ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَشَارِقِ: لِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَفِيهَا أُصُولٌ وَفُرُوعٌ؛ أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِقَاقِ، قَالَ: وَلِلْأُصُولِ أُصُولٌ؛ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَأُصُولُ الْأُصُولِ اسْمَانِ: اللَّهُ، وَالرَّحْمَنُ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِمَا أَحَدٌ. وَمَا وَرَدَ مِنْ رَحْمنِ الْيَمَامَةِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّهُ مُضَافٌ، وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ:
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا
تَغَالَى فِي الْكُفْرِ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ أَحَدٌ، وَلَا يُرَدُّ إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَهُ وَصْفًا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْمِيَةَ بِذَلِكَ، وَقَدْ لُقِّبَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمَلِكَ الرَّحِيمَ وَلَمْ يَقَعْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الرَّحْمَنِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كَانَتْ إِضَافَةُ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً مَحْضَةً، فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَحَبِّيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٠٦ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْنُوا بِكُنْيَتِي
قَالَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ
٦١٨٧ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ ﵁ قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيهِ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْنُوا بِكُنْيَتِي.
٦١٨٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ ﷺ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي.
٦١٨٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ﵄: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالُوا: لَا نَكْنِيكَ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: سْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ.