٢٤ - بَاب: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لأَعْنَتَكُمْ﴾: لَأَخرَجَكُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ، ﴿وَعَنَتِ﴾: خَضَعَتْ.
٢٧٦٧ - وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ وَصِيَّةً، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فَيَنْظُرُوا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيَتَامَى قَرَأَ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ وَقَالَ عَطَاءٌ فِي يَتَامَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ: يُنْفِقُ الْوَلِيُّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِهِ مِنْ حِصَّتِهِ.
قَوْلُهُ: بَابُ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ غَيْرُهُ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: (لَأَعْنَتَكُمْ لَأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ) هُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ وَيَسَّرَ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾، يَقُولُ: يَأْكُلُ الْفَقِيرُ إِذَا وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ قِيَامِهِ عَلَى مَالِهِ وَمَنْفَعَتِهِ مَا لَمْ يُسْرِفْ أَوْ يُبَذِّرْ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ: لَأَعْنَتَكُمْ: لَأَحْرَجَكُمُ اهـ، وَقَوْلُهُ: أَعْنَتَكُمْ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْعَنَتِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ، وَالْهَمْزَةُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ أَوْقَعَكُمْ فِي الْعَنَتِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنَتْ خَضَعَتْ) كَذَا وَقَعَ هُنَا، وَاسْتَغْرَبَ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَعْنَتَكُمْ) بَلْ هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْعُنُوِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْعَنَتِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ التَّاءَ فِي الْعَنَتِ أَصْلِيَّةٌ، وَفِي عَنَتْ لِلتَّأْنِيثِ وَلَامَ الْفِعْلِ مِنْهُ وَاوٌ لَكِنَّهَا ذَهَبَتْ فِي الْوَصْلِ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ ذَلِكَ هُنَا اسْتِطْرَادًا، وَتَفْسِيرُ (عَنَتِ الْوُجُوهُ) بِخَضَعَتْ، أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَوْلُهُ ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ﴾ أَيْ ذَلَّتْ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: عَنَتِ اسْتَأْسَرَتْ؛ لِأَنَّ الْعَانِيَ هُوَ الْأَسِيرُ، فَكَأَنَّ مَنْ فَسَّرَهُ بِخَضَعَتْ فَسَّرَهُ بِلَازِمِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْأَسْرِ الذِّلَّةَ وَالْخُضُوعَ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ … إِلَخْ) هُوَ مَوْصُولٌ، وَسُلَيْمَانُ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَجَرَتْ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ الْإِتْيَانَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فِي الْمَوْقُوفَاتِ غَالِبًا وَفِي الْمُتَابَعَاتِ نَادِرًا، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا إِلَّا فِي الْمُذَاكَرَةِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لِلْإِجَازَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ وَصِيَّتَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ وَصِيَّةَ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ كَأَنَّهُ كَانَ يَبْتَغِي الْأَجْرَ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ الْحَدِيثَ اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الدُّخُولِ فِي الْوَصَايَا أَنْ يَخْشَى التُّهْمَةَ أَوِ الضَّعْفَ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ … إِلَخْ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَوْصُولًا عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ طَاوُسٌ … إِلَخْ) وَصَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مُصَغَّرٌ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَالِ الْيَتِيمِ يَقْرَأُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَطَاءٌ … إِلَخْ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَلِي أَمْوَالَ أَيْتَامٍ فِيهِمُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَمَالُهُمْ