الْجَاهِلِيَّةِ يَنْقُلُونَ الْوَلَاءَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اتَّفَقَ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا وَهَبَتْ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، لِابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ: جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ جَوَازُ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَكَذَا عَنْ عُرْوَةَ، وَجَاءَ عَنْ مَيْمُونَةَ جَوَازُ هِبَةِ الْوَلَاءِ وَكَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ، قُلْتُ: قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَيَبِيعُ أَحَدُكُمْ نَسَبَهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ: الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ النَّسَبِ، وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ بَيْعَ الْوَلَاءِ وَهِبَتَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَجُوزُ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَمِنْ ثَمَّ فَصَّلُوا فِي النَّقْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَى الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُ بِالْحُرْمَةِ إِلَى النَّسَبِ حُكْمًا كَمَا أَنَّ الْأَبَ أَخْرَجَهُ بِالنُّطْفَةِ إِلَى الْوُجُودِ حِسًّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لَا يَقْضِي وَلَا يَلِي وَلَا يَشْهَدُ، فَأَخْرَجَهُ سَيِّدُهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى وُجُودِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِهَا، فَلَمَّا شَابَهَ حُكْمَ النَّسَبِ أُنِيطَ بِالْمُعْتَقِ فَلِذَلِكَ جَاءَ: إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُلْحِقَ بِرُتْبَةِ النَّسَبِ فَنُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَمْرٌ وَجُودِيٌّ لَا يَتَأَتَّى الِانْفِكَاكُ عَنْهُ كَالنَّسَبِ، فَكَمَا لَا تَنْتَقِلُ الْأُبُوَّةُ وَالْجُدُودَةُ فَكَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْوَلَاءِ جُرْمًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيرَاثِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ مُعْتَقَةَ آخَرَ فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا لِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِيهَا لَوْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ أَبَاهُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَنْتَقِلُ إِذَا مَاتَ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ اتِّفَاقًا انْتَهَى.
وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْوِيَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنِ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ كَالْمُكَاتَبِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ وَلَاءَهُ لِسَيِّدِهِ وَقِيلَ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَفِي وَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
٢٢ - بَاب إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى لَهُ وِلَايَةً وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ.
٦٧٥٧ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكِ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.
٦٧٥٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ "عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ". قَالَتْ فَأَعْتَقْتُهَا، قَالَتْ: "فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا" فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا بِتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا".
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ) كَذَا لِلنَّسَفِيِّ، وَزَادَ الْفَرَبْرِيُّ وَالْأَكْثَرُ رَجُلٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ