للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْغَلَبَةِ وَسَلْبِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنَّمَا بَادَرَ بِلَالٌ إِلَى قَوْلِهُ: أَنَا أُوقِظُكُمْ اتِّبَاعًا لِعَادَتِهِ فِي الِاسْتِيقَاظِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَجْلِ الْأَذَانِ، وَفِيهِ خُرُوجُ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ فِي الْغَزَوَاتِ وَالسَّرَايَا، وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مُنْكِرِي الْقَدَرِ وَأَنَّهُ لَا وَاقِعَ فِي الْكَوْنِ إِلَّا بِقَدَرٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَا تَرْجَمَ لَهُ وَهُوَ الْأَذَانُ لِلْفَائِتَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يُؤَذَّنُ لَهَا، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُؤَذَّنَ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ. وَحَمْلُ الْأَذَانِ هُنَا عَلَى الْإِقَامَةِ مُتَعَقَّبٌ، لِأَنَّهُ عَقَّبَ الْأَذَانَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ لَمَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْهَا. نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مَحْضُ الْإِعْلَامِ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ. فَأَقَامَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ التَّأْذِينَ فِي الْبَابِ بَعْدَ هَذَا.

وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَوَائِتِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَيْضًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى عَدَمِ قَضَاءِ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الذِّكْرِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ رَكَعَهُمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لِذَلِكَ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُهَلَّبُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِمُرَاقَبَةِ وَقْتِ صَلَاةٍ غَيْرَهَا، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمَأْمُورُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَمْ تَفُتْهُ صَلَاةٌ غَيْرُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ شَغَلَهُ عَنْهَا اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ مُتَدَافِعٌ، فَأَيُّ عُذْرٍ أَبْيَنُ مِنَ النَّوْمِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، قَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ وَلَيْسَ هُوَ بِقَاطِعٍ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قَوْلِ بِلَالٍ بِمُجَرَّدِهِ، بَلْ بَعْدَ النَّظَرِ إِلَى الْفَجْرِ لَوِ اسْتَيْقَظَ مَثَلًا، وَفِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ عَنْ وَقْتِ الِانْتِبَاهِ مَثَلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ فَوَائِدِهِ فِي بَابِ الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ مِنْ كِتَابِ التَّيَمُّمِ.

٣٦ - بَاب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ

٥٩٦ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ قَالَ النَّبِيُّ : وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ.

[الحديث ٥٩٦ - أطرافه في: ٤١١٢، ٩٤٥، ٦٤١، ٥٩٨]

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقُلْ مَثَلًا لِمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَائِتَةً لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ إِيقَاعَهَا كَانَ قُرْبَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، لَا كَالْفَوَائِتِ الَّتِي جُهِلَ يَوْمُهَا أَوْ شَهْرُهَا.

قَوْلُهُ: (هِشَامٌ) هُوَ ابْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) قَدِ اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ إِلَّا حَجَّاجَ بْنَ نُصَيْرٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ، تَفَرَّدَ بِذَلِكَ حَجَّاجٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْخَنْدَقِ) سَيَأْتِي شَرْحُ أَمْرِهِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي.

قَوْلُهُ: (بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ)